الرابع : اثنتان وعشرون سنة.
والخامس : أنه كان بينهما ثماني عشرة سنة، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل : فإن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة فهلاّ وثق بها يعقوب وتسلى؟ ولم ﴿ قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ﴾ وما يضر الكيد مع سابق القضاء؟
قيل عن هذا جوابان :
أحدهما : أنه رآها وهو صبي فجاز أن تخالف رؤيا الأنبياء المرسلين. الثاني : أنه حزن لطول المدة في معاناة البلوى وخاف كيد الإخوة في تعجيل الأذى.
﴿ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ﴾ فإن قيل فلم اقتصر من ذكر ما بُلي به على شكر إخراجه من السجن دون الجب وكانت حاله في الجب أخطر؟
قيل عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان في السجن مع الخوف من المعرة ما لم يكن في الجب فكان ما في نفسه من بلواه أعظم فلذلك خصه بالذكر والشكر.
الثاني : أنه قال ذلك شكراً لله تعالى على نقله من البلوى إلى النعماء، وهو إنما انتقل إلى الملك من السجن لا من الجب، فصار أخص بالذكر والشكر إذ صار بخروجه من السجن ملكاً، وبخروجه من الجب عبداً.
الثالث : أنه لما عفا عن إخوته بقوله ﴿ لا تثريب عليكم اليوم ﴾ أعرض عن ذكر الجب لما فيه من التعريض بالتوبيخ
وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله :﴿ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ﴾ أي من سجن السخط إلى فضاء الرضا.
وفي قوله :﴿ وجاء بكم من البدو ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم كانوا في بادية بأرض كنعان أهل مواشٍ وخيام، وهذا قول قتادة.
الثاني : أنه كان قد نزل « بدا » وبنى تحت جبلها مسجداً ومنها قصد، حكاه الضحاك عن ابن عباس. قال جميل :
وأنتِ التي حَبَبْتِ شغباً إلى بَدَا | إليّ وأوطاني بلادٌ سِواهما |
الثالث : لأنهم جاءُوا في البادية وكانوا سكان مدن، ويكون بمعنى في.
واختلف من قال بهذا في البلد الذي كانوا يسكنونه على ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنهم كانوا من أهل فلسطين، قاله علي بن أبي طلحة.
الثاني : من ناحية حران من أرض الجزيرة، ولعله قول الحسن.
الثالث : من الأولاج من ناحية الشعب، حكاه ابن إسحاق.
﴿ من بَعْدِ أن نَزَغَ الشيطانُ بيني وبين إخوتي ﴾ وفي نزغه وجهان :
أحدهما : أنه إيقاع الحسد، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه حرّش وأفسد، قاله ابن قتيبة.
﴿ إن ربي لطيف لما يشاء ﴾ قال قتادة : لطيف بيوسف بإخراجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع عن يوسف نزغ الشيطان.