قوله تعالى :﴿ الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ ﴾ الآية. روى ابن جبير عن ابن عباس قال : كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان.
قال ابن شهاب : فغلبت فارس الروم فسر بذلك المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم ستغلبوننا لأنكم أهل كتاب، وقد غلبت فارس الروم والروم أهل كتاب.
وقيل : إنه كان آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار فأخبر رسول الله ﷺ بذلك فساءه فأنزل الله هاتين الآيتين فلما قال :
﴿ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيْغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ﴾ سر بذلك المسلمون وبادر أبو بكر رضي الله عنه إلى مشركي قريش فأخبرهم بما أنزل عليهم وأن الروم ستغلب الفرس. قال قتادة : فاقتمر أبو بكر والمشركون على ذلك، وذلك قبل تحريم القمار مدة اختلف الناس فيها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : مدة ثلاث سنين تظهر الروم فيها على فارس، قاله السدي.
الثاني : خمس سنين، قاله قتادة.
الثالث : سبع سنين، قاله الفراء.
وكان الذي تولى ذلك من المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، واختلف في الذي تولاه من المشركين مع أبي بكر على قولين :
أحدهما : أنه أبو سفيان بن حرب، قاله السدي.
الثاني : أنه أُبي بن خلف، قاله قتادة. وحكىلنقاش أن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي ﷺ عَلِق به أبي بن خلف وقال : اعطني كفيلاً بالخطر إن غلبت فكفله ابنه عبد الرحمن.
واختلف في قدر العوض المبذول على قولين :
أحدهما : أربع قلائص، قاله عامر.
الثاني : خمس قلائص، قاله قتادة.
فلما علم رسول الله ﷺ أن أبا بكر لهم هذه المدة أنكرها وقال :« مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا فَعَلْتَ؟ » قال : ثقة بالله وبرسوله، قال :« فَكَم البِضْعُ » قال : ما بلغ بين الثلاث والعشر فقال له النبي ﷺ :« زِدْهُم فِي الخَطَرِ فِي وَزِدْ الأَجَلِ » فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين فصارت القلائص ستاً على القول الأول، وسبعاً على الثاني، وصار الأجل خمساً على القول الأول، وسبعاً على الثاني : وتسعاً على الثالث.
واختلف في الاستزاده والزيادة على قولين :
أحدهما : أنها كانت بعد انقضاء الأجل الأول قبل ظهور الغلبة، قاله عامر.
الثاني : أنها كانت قبل انقضاء الأجل الأول، قاله ابن شهاب، فأظفر الله الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني تصديقاً لخبره في التقدير ولرسوله ﷺ في التنزيل.
واختلف في السنة التي غلبت الروم أهل فارس على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها عام بدر ظهر الروم على فارس فيه وظهر المسلمون على قريش فيه، قاله أبو سعيد، قال : فكان يوم بدر.


الصفحة التالية
Icon