قوله تعالى :﴿ وإن يونس لمن المرسلين ﴾ قال السدي : يونس بن متى نبي من أنبياء الله تعالى بعثه إلى قرية يقال لها نينوى على شاطىء دجلة : قال قتادة : وهي من أرض الموصل.
﴿ إذ أبق إلى الفُلك المشحون ﴾ والآبق الفارّ إلى حيث لا يعلم به، قال الحسن : فر من قومه وكان فيما عهد إليهم أنهم إن لم يؤمنوا أتاهم العذاب، وجعل علامة ذلك خروجاً من بين أظهرهم، فلما خرج عنه جاءتهم ريح سوداء فخافوها فدعوا الله بأطفالهم وبهائمهم فأجابهم وصرف العذاب عنهم فخرج مكايداً لقومه مغاضباً لدين ربه حتى أتى البحر فركب سفينة وقد استوقرت حملاً، فلما اشتطت بهم خافوا الغرق.
وفيما خافوا الغرق به قولان :
أحدهما : أمواج من ريح عصفت بهم قاله ابن عباس.
الثاني : من الحوت الذي عارضهم، حكاه ابن عيسى، فقالوا عند ذلك : فينا مذنب لا ننجو إلا بإلقائه، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فألقوه، وهو معنى قوله تعالى :
﴿ فساهَم ﴾ أي قارع بالسهام، قاله ابن عباس والسدي.
﴿ فكان من المدحضين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من المقروعين، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : من المغلوبين، قاله سعيد بن جبير، ومنه قول أبي قيس :
قتلنا المدحضين بكل فج | فقد قرت بقتلهم العيون |
قوله تعالى :﴿ فالتقمه الحوت وهُو مليم ﴾ قال ابن عباس : أوحى الله تعالى إلى سمكة يقال لها اللخم من البحر الأخضر أن شقي البحار حتى تأخذي يونس، وليس يونس لك رزقاً، ولكن جعلت بطنك له سجناً، فلا تخدشي له جلداً ولا تكسري له عظماً، فالتقمه الحوت حين ألقي.
وفي قوله :﴿ وهو مليم ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : أي مسيء مذنب، قاله ابن عباس.
الثاني : يلوم نفسه على ما صنع، وهو معنى قول قتادة.
الثالث : يلام على ما صنع، قاله الكلبي.
والفرق بين الملوم والمليم أن المليم اذا أتى بما يلام عليه، والملوم إذا ليم عليه.
﴿ فلولا أنه كان مِن المسبحين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : من القائلين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قاله الحسن.
الثاني : من المصلين قاله ابن عباس.
الثالث : من العابدين، قاله وهب بن منبه.
الرابع : من التائبين، قاله قطرب. وقيل تاب في الرخاء فنجاه الله من البلاء.
﴿ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ قال قتادة : إلى يوم القيامة حتى يَصير الحوت له قبراً، وفي مدة لبثه في بطن الحوت أربعة أقاويل :
أحدها : بعض يوم، قال الشعبي : التقمه ضحى ولفظه عشية.
الثاني : ثلاثة أيام، قاله قتادة.
الثالث : سبعة أيام، قاله جعفر.
الرابع : أربعون يوماً، قاله أبو مالك، وقيل إنه سار بيونس حتى مر به إلى الإيلة ثم عاد في دجلة إلى نينوى.