قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مَِّن قَوْمٍ ﴾ الآية. أما القوم فهم الرجال خاصة، لذلك ذكر بعدهم النساء. ويسمى الرجال قوماً لقيام بعضهم مع بعض في الأمور، ولأنهم يقومون بالأمور دون النساء، ومنه قول الشاعر :
وما أدري وسوف إخال أدري | أقوم آل حصن أم نساء |
أحدهما : أنه استهزاء الغني بالفقير إذا سأله، قاله مجاهد.
الثاني : أنه استهزاء المسلم بمن أعلن فسقه، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثاً : أنه استهزاء الدهاة بأهل السلامة.
﴿ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾ عند الله تعالى. ويحتمل : خيراً منهم معتقداً وأسلم باطناً. ﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرُا مِّنْهُنَّ ﴾.
﴿ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولا تلمزوا أهل دينكم.
الثاني : لا تلمزوا بعضكم بعضاً : واللمز : العيب.
وفي المراد به هنا ثلاثة أوجه :
أحدها : لا يطعن بعضكم على بعض، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد ابن جبير.
الثاني : لا تختالوا فيخون بعضكم بعضاً، قاله الحسن.
الثالث : لا يلعن بعضكم بعضاً، قاله الضحاك.
﴿ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ ﴾ في النبز وجهان :
أحدهما : أنه اللقب الثابت، قاله المبرد.
الثاني : أن النبز القول القبيح، وفيه هنا أربعة أوجه :
أحدها : أنه وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به. قال الشعبي : روي أن وفد بني سليم قدموا على النبي ﷺ وللرجل منهم اسمان وثلاثة فكان يدعوا الرجل بالاسم فيقال إنه يكره هذا، فنزلت هذه الآية.
الثاني : أنه تسمية الرجل بالأعمال السيئة بعد الإسلام... يا فاسق... يا سارق، يا زاني، قاله ابن زيد.
الثالث : أنه يعيره بعد الإسلام بما سلف من شركه، قاله عكرمة.
الرابع : أن يسميه بعد الإسلام باسم دينه قبل الإسلام، لمن أسلم من اليهود... يا يهودي، ومن النصارى... يا نصراني، قاله ابن عباس، والحسن. فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف النبي ﷺ عدداً من أصحابه بأوصاف فصارت لهم من أجمل الألقاب.
واختلف في من نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمسان وكان في أذنه ثقل فكان يدنو من رسول الله ﷺ حتى يسمع حديثه، فجاء ذات يوم وقد أخذ الناس مجالسهم فقال :« تَفَسَّحُواْ » ففعلوا إلا رجلاً كان بين يدي النبي ﷺ فإنه لم يفسح وقال :« قَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعاً » فنبذه ثابت، بلقب كان لأمه مكروهاً، فنزلت، قاله الكلبي والفراء.
الثاني : أنا نزلت في كعب بن مالك الأنصاري، وكان على المغنم فقال لعبد الله بن أبي حدرد : يا أعرابي، فقال له عبد الله : يا يهودي، فتشاكيا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فنزلت فيهما، حكاه مقاتل.
الثالث : أنها نزلت في الذين نادوا رسول الله ﷺ من وراء الحجرات عند استهزائهم بمن مع رسول الله من الفقراء والموالي فنزل ذلك فيهم.
الرابع : أنا نزلت في عائشة وقد عابت أم سلمة.
واختلفوا في الذي عابتها به فقال مقاتل : عابتها بالقصر، وقال غيره : عابتها بلباس تشهرت به.