﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدٌ الْقُوَى ﴾ يعني : جبريل في قول الجميع.
﴿ ذو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : ذو منظر حسن، قاله ابن عباس.
الثاني : ذو غناء، قاله الحسن.
الثالث : ذو قوة، قاله مجاهد وقتادة، ومن قول خفاف بن ندبة :

إني امرؤ ذو مرة فاستبقني فيما ينوب من الخطوب صليب
الرابع : ذو صحة في الجسم وسلامة من الآفات، ومن قول امرىء القيس :
كنت فيهم أبداً ذا حيلة محكم المرة مأمون العقد
الخامس : ذو عقل، قاله ابن الأنباري، قال الشاعر :
قد كنت عند لقاكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
وفي قوله ﴿ فَاسْتَوَى ﴾ خمسة أوجه :
أحدها : فاستوى جبريل في مكانه، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : قام جبريل على صورته التي خلق عليها لأنه كان يظهر له قبل ذلك في صورة لا رجل. حكى ابن مسعود أن النبي ﷺ لم ير جبريل على صورته إلا مرتين : أما واحدة، فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية، فإنه كان معه حين صعد، وذلك قوله ﴿ وَهُوَ بِاْلأُفُقِ الأَعْلَى ﴾.
الثالث : فاستوى القرآن في صدره، وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : فاعتدل في قوته.
الثاني : في رسالته.
الرابع : يعني : فارتفع، وفيه على هذا وجهان :
أحدهما : أنه جبريل ارتفع إلى مكانه.
الثاني : أنه النبي ﷺ، ارتفع بالمعراج.
﴿ وَهُوَ بِلأُفُقِ الأَعْلَى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه جبريل حين رأى النبي ﷺ بالأفق الأعلى، قاله السدي.
الثاني : أنه النبي ﷺ رأى جبريل بالأفق الأعلى، قاله عكرمة. وفي الأفق الأعلى ثلاثة أقاويل :
أحدها : هو مطلع الشمس، قاله مجاهد.
الثاني : هو الأفق الذي يأتي منه النهار، قاله قتادة، يعني طلوع الفجر.
الثالث : هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها، قاله ابن زيد، ومنه قول الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم والطوالع
﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه جبريل، قاله قتادة.
الثاني : أنه الرب، قاله ابن عباس.
وقوله ﴿ فَتَدَلَّى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعلق فيما بين والسفل لأنه رآه منتصباً مرتفعاً ثم رآه متدلياً، قاله ابن بحر.
الثاني : معناه قرب، ومنه قوله تعالى :﴿ وَتُدلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾ أي تقربوها إليهم، وقال الشاعر :
أتيتك لا أدلي بقربى قريبة إليك ولكني بجودك واثق
وقيل فيه تقديم وتأخير، وتقديره : ثم تدلى فدنا، قاله ابن الأنباري.
﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : قيد قوسين، قاله قتادة والحسن.
الثاني : أنه بحيث الوتر من القوس، قاله مجاهد.
الثالث : من مقبضها إلى طرفها، قاله عبد الحارث.
الرابع : قدر ذراعين، قاله السدي، فيكون القاب عبارة عن القدر، والقوس عبارة عن الذراع.


الصفحة التالية
Icon