ثم اختلفوا في المعنى بهذا الداني على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه جبريل من ربه، قاله مجاهد وهو قول ابن عباس.
الثاني : أنه محمد ﷺ من ربه، قاله محمد بن كعب.
الثالث : أنه جبريل من محمد ﷺ.
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى ﴾ في عبده الموحى إليه قولان :
أحدهما : أنه جبريل عليه السلام أوحى إليه ما يوحي إلى رسول الله ﷺ، قالته عائشة، والحسن، وقتادة.
الثاني : أنه محمد ﷺ أوحي إليه على لسان جبريل، قاله ابن عباس والسدي.
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ في الفؤاد قولان :
أحدهما : أنه أراد صاحب الفؤاد فعبر عنه بالفؤاد لأنه قطب الجسد وقوام الحياة.
الثاني : أنه أرد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد وفيه قولان :
أحدهما : معناه ما أوهمه فؤداه ما هو بخلافه كتوهم السراب ماء، فيصير فؤاده بتوهم المحال كالكاذب له، وهو تأويل من قرأ ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ﴾ بالتخفيف.
الثاني : معناه ما أنكر قلبه ما رأته عينه، وهو تأويل من قرأ ﴿ كَذَّبَ ﴾ بالتشديد.
وفي الذي رأى خمسة أقاويل :
أحدها : رأى ربه بعينه، قاله ابن عباس.
الثاني : في المنام، قاله السدي.
الثالث : أنه بقلبه روى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله [ هل رأيت ربك ] ؟ قال :« رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ » ثم قرأ :﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾.
الرابع : أنه رأى جلاله، قاله الحسن، وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله ﷺ قال :« رَأَيتُ نَهْرَاً وَرَأَيتُ وَرَاءَ النَّهْرِ حَجَاباً ورَأَيتُ وَرَاءَ الحِجَابِ نُوراً لَمْ أَرَ غَيَرَ ذَلِكَ ».
الخامس : أنه رأى جبريل على صورته مرتين، قاله ابن مسعود.
﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أفتجادلونه على ما يرى، قاله إبراهيم.
الثاني : أفتجادلونه على ما يرى، وهو مأثور.
الثالث : أفتشككونه على ما يرى، قاله مقاتل.
﴿ وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ يعني أنه رأى ما رآه ثانية بعد أُولى، قال كعب : إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما السلام، فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين.
﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴾ روي فيها خبران.
أحدهما : ما روى طلحة بن مصرف عن مرة عن ابن مسعود قال : لما أسري بالنبي ﷺ انتهى إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها الخبر.
الثاني : ما رواه معمر عن قتادة عن أنس أن النبي ﷺ قال :« رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثَمَرُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجْرٍ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، يَخْرُجُ مِن سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بِاطِنَانِ، قُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ : أَمَّا النَّهْرَانِ البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا النَّهْرانِ الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ ».


الصفحة التالية
Icon