قوله تعالى :﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ أي دنت وقربت، قال الشاعر :

قد اقتربت لو كان في قرب دارها جداء ولكن قد تضر وتنفع
والمراد بالساعة القيامة، وفي تسميتها بالساعة وجهان :
أحدهما : لسرعة الأمر فيها.
الثاني : لمجيئها في ساعة من يومها.
وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :« اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصاً وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً ».
﴿ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب مثلاً فيما وضح أمره، قال الشاعر :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل
والثاني : أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه، كما قال النابغة الجعدي :
فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داعي
الثالث : أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه.
وفيه على هذا التأويل قولان :
أحدهما : أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية، قاله الحسن، قال : لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رأه لأنها آية والناس في الآيات سواء.
الثاني : وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول الله ﷺ بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً لسب أبي جهل لرسول الله، أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال : رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة قبل مخرج النبي ﷺ إلى المدينة، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويدا فقالوا : سحر القمر، فنزلت ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ الْقَمَرُ ﴾.
﴿ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد أي آية روأها أعرضوا عنها ولم يعتبروا بها، وكذلك ذكرها بلفظ التنكير دون التعريف، قاله ابن بحر.
الثاني : أنه عنى بالآية انشقاق القمر حين رأوه.
﴿ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن معنى مستمر ذاهب، قاله أنس وأبو عبيدة.
الثاني : شديد، مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدة فتله، قاله الأخفش والفراء.
الثالث : أنه يشبه بعضه بعضاً.
الرابع : أن المستمر الدائم، قال امرؤ القيس :
ألا إنما الدنيا ليال وأعصر وليس على شيء قويم بمستمر
أي بدائم.
الخامس : أي قد استمر من الأرض إلى السماء، قاله مجاهد.
﴿ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يوم القيامة.
الثاني : كل أمر مستقر في أن الخير لأهل الخير، والشر لأهل الشر، قاله قتادة.
الثالث : أن كل أمر مستقر حقه من باطله.


الصفحة التالية
Icon