قوله تعالى :﴿ يا أيها النبيُّ لم تُحرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدهاه : أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي ﷺ فلم يقبلها، قاله ابن عباس.
والثاني : أنه عسل شربه النبي ﷺ عند بعض نسائه، واختلف فيها فروى عروة عن عائشة أنه شربه عند حفصة وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه شربه عند سودة. وروى أسباط عن السدي أنه شربه عند أم سلمة، فقال يعني نساؤه عدا من شرب ذلك عندها : إنا لنجد منك ريح المغافير، وكان يكره أن يوجد منه الريح، وقلن له : جَرَسَتْ نحلة العُرفُط، فحرّم ذلك على نفسه، وهذا قول من ذكرنا.
الثالث : أنها مارية أم إبراهيم خلا بها رسول اللّه ﷺ في بيت حفصة بنت عمر وقد خرجت لزيارة أبيها، فلما عادت وعلمت عتبت على النبي ﷺ فحرمها على نفسه أرضاء لحفصة، وأمرها أن لا تخبر أحداً من نسائه، فأخبرت به عائشة لمصافاة كانت بينهما وكانت تتظاهران على نساء النبي ﷺ أي تتعاونان، فحرّم مارية وطلق حفصة واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوماً، وكان جعل على نفسه أن يُحرّمهن شهراً، فأنزل اللَّه هذه الآية، فراجع حفصة واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه، قاله الحسن وقتادة والشعبي ومسروق والكلبي وهو ناقل السيرة.
واختلف من قال بهذا، هل حرّمها على نفسه بيمين آلى بها أم لا، على قولين :
أحدهما : أنه حلف يميناً حرّمها بها، فعوتب في التحريم وأُمر بالكفارة في اليمين، قاله الحسن وقتادة والشعبي.
الثاني : أنه حرّمها على نفسه من غير يمين، فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين، قاله ابن عباس.
﴿ قد فَرَضَ اللَّهُ لكم تَحِلَّةَ أيْمانِكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : قد بيّن اللّه لكم المخرج من أيمانكم.
الثاني : قد قدر اللّه لكم الكفارة في الحنث في أيمانكم.
﴿ وإذْ أسَرًّ النبيُّ إلى بَعْضِ أزْاجِهِ حَديثاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أسَرَّ إلى حفصة تحريم ما حرمه على نفسه، فلما ذكرته لعائشة وأطلع اللَّه نبيه على ذلك عرّفها بعض ما ذكرت، وأعرض عن بعضه، قاله السدي.
الثاني : أسرّ إليها تحريم مارية، وقال لها : اكتميه عن عائشة وكان يومها منه، وأُسِرّك أن أبا بكر الخليفة من بعدي، وعمر الخليفة من بعده، فذكرتها لعائشة، فلما أطلع اللَّه نبيه ﴿ عرّف بعضه وأعرض عن بعض ﴾ فكان الذي عرف ما ذكره من التحريم، وكان الذي أعرض عنه ما ذكره من الخلافة لئلا ينتشر، قاله الضحاك. وقرأ الحسن :« عَرَف بعضه » بالتخفف، وقال الفراء : وتأويل قوله : عرف بعضه بالتخفيف أي غضب منه وجازى عليه، ﴿ إن تَتوبا إلى اللَّهِ فَقدْ صَغَتْ قلوبُكما ﴾ يعني بالتوبة اللتين تظاهرتا وتعاونتا من نساء النبي ﷺ على سائرهن وهما عائشة وحفصة.