قوله تعالى :﴿ يا أيها المزمِّلُ ﴾ قال الأخفش : أصله المتزمل فأدغم التاء في الزاي، وكذا المدثر.
وفي أصل المزمل : قولان :
أحدهما : المحتمل، يقال زمل الشيء إذا حمله، ومنه الزاملة التي تحمل القماش.
الثاني : المزمل هو المتلفف، قال امرؤ القيس :

كأن ثبيراً في عرائين وبْله كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مُزَمّلِ.
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يا أيها المزمل بالنبوة، قاله عكرمة.
الثاني : بالقرآن، قاله ابن عباس.
الثالث : بثيابه، قاله قتادة.
قال إبراهيم : نزلت عليه وهو في قطيفة.
﴿ قُمِ الليلَ إلا قليلاً ﴾ يعني صلِّ الليل إلا قليلاً، وفيه وجهان :
أحدهما : إلا قليلاً من أعداد الليالي لا تقمها.
الثاني : إلا قليلاً من زمان كل ليلة لا تقمه وقد كان فرضاً عليه.
وفي فرضه على مَنْ سواه من أُمّته قولان :
أحدهما : فرض عليه دونهم لتوجه الخطاب إليه، ويشبه أن يكون قول سعيد ابن جبير.
الثاني : أنه فرض عيله وعليهم فقاموا حتى ورمت أقدامهم، قاله ابن عباس وعائشة.
وقال ابن عباس : كانوا يقومون نحو قيامه في شهر رمضان ثم نسخ فرض قيامه على الأمة، واختلف بماذا نسخ عنهم على قولين :
أحدهما : بالصلوات الخمس وهو قول عائشة.
الثاني : بآخر السورة، قاله ابن عباس.
واختلفوا من مدة فرضه إلى أن نسخ على قولين :
أحدهما : سنة، قال ابن عباس : كان بين أول المزمل وآخرها سنة.
الثاني : ستة عشر شهراً، قالته عائشة، فهذا حكم قيامه في فرضه ونسخه على الأمة.
فأما رسول الله ﷺ فقد كان فرضاً عليه، وفي نسخه عنه قولان :
أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين.
الثاني : أنها عشر سنين إلى أن خفف عنها بالنسخ زيادة في التكليف لتميزه بفضل الرسالة، قاله سعيد بن جبير.
قوله « قم الليلَ إلاّ قليلاً » لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن فاستثنى منه القليل لراحة الجسد، والقليل من الشيء ما دون النصف.
حكي عن وهب بن منبه أنه قال : القليل ما دون المعشار والسدس.
وقال الكلبي ومقاتل : القليل الثلث.
وَحدُّ الليل ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني.
ثم قال تعالى :﴿ نِصْفَهُ أو انقُصْ مِنْهُ قليلاً ﴾ فكان ذلك تخفيفاً إذا لم يكن زمان القيام محدوداً، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم، فروت عائشة أن النبي ﷺ قام في الليل فقال : أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما ديم عليه.
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى :« عَلِم أنْ لن تُحْصوه فتابَ عليكم فاقْرَؤوا ما تيسّر من القرآن ».
﴿ أوزِدْ عليه ورَتِّل القرآنَ تَرْتيلاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بيّن القرآن تبياناً، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم.


الصفحة التالية
Icon