وقيل إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المحاورة، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة.
﴿ ثم أَدْبَر واسْتَكْبَرَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أدبر عن الحق واستكبر عن الطاعة.
الثاني : أدبر عن مقامه واستكبر في مقاله.
﴿ فقال إنْ هذا إلا سِحْرٌ يُؤْثَر ﴾ قال ابن زيد : إن الوليد بن المغيرة قال : إنْ هذا القرآن إلا سحر يأثره محمد عن غيره فأخذه عمن تقدمه.
ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون معناه أن النفوس تؤثر لحلاوته فيها كالسحر.
﴿ إنْ هذا إلا قَوْلَ البَشِرِ ﴾ أي ليس من كلام الله تعالى، قال السدي : يعنون أنه من قول أبي اليسر عَبْدٌ لبني الحضرمي كان يجالس النبي ﷺ، فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك.
﴿ سأصْليه سَقَرَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه اسم من أسماء جهنم مأخوذ من قولهم : سقرته الشمس إذا آلمت دماغه، فسميت جهنم بذلك لشدة إيلامها.
﴿ وما أدراك ما سَقَر لا تُبقي ولا تذر ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تبقي من فيها حياً، ولا تذره ميتاً، قاله مجاهد.
الثاني : لا تبقي أحداً من أهلها أن تتناوله، ولا تذره من العذاب، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : لا تبقيه صحيحاً، ولا تذره مستريحاً.
﴿ لوّاحَةً للبَشَرِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : مغيرة لألوانهم، قال أبو رزين تلفح وجوههم لفحة تدعهم أشد سواداً من الليل.
الثاني : تحرق البشر حتى تلوح العظم، قاله عطية.
الثالث : أن بشرة أجسادهم تلوح على النار، قاله مجاهد.
الرابع : أن اللواح شدة العطش، والمعنى أنها معطشة للبشر، أي لأهلها، قاله الأخفش، وأنشد :
سَقَتْني على لوْحٍ من الماءِ شَرْبةً | سقاها به الله الرهامَ الغواديا. |
ويحتمل خامساً : أنها تلوح للبشر بهولها حتى تكون أشد على من سبق إليها، وأسرّ لمن سلم منها.
وفي البشر وجهان :
أحدهما : أنهم الإنس من أهل النار، قالهالأخفش والأكثرون.
الثاني : أنه جمع بشرة، وهي جلدة الإنسان الظاهرة، قاله مجاهد وقتادة.
﴿ عليها تسعةَ عَشَرَ ﴾ هؤلاء خزنة جهنم وهم الزبانية، وعددهم هذا الذي ذكره الله تعالى، وروى عامر عن البراء أن رهطاً من اليهود سألوا رسول الله ﷺ عن خزنة جهنم، فأهوى بأصابع كفيه مرتين، فأمسك الإبهام في الثانية، وأخبر الله عنهم بهذا العدد، وكان الاقتصار عليه دون غيره من الأعداد إخباراً عمن وكل بها وهو هذا العدد، وموافقة لما نزل به التوراة والإنجيل من قبل.
وقد يلوح لي في الاقتصار على هذا العدد معنى خفي يجوز أن يكون مراداً، وهو أن تسعة عشر عدد يجمع أكثر القليل من العدد وأقل الكثير، لأن العدد آحاد وعشرات ومئون وألوف، والآحاد أقل الأعداد، وأكثر الآحاد تسعة، وما سوى الآحاد كثير وأقل الكثير عشرة، فصارت التسعة عشر عدداً يجمع من الأعداد أكثر قليلها، وأقل كثيرها، فلذلك ما وقع عليها الاقتصار والله أعلم للنزول عن أقل القليل وأكثر الكثير فلم يبق إلا ما وصفت.