﴿ بل يريد الإنسان ليَفْجُرَ أمامَه ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : معناه أن يقدم الذنب ويؤخر التوبة، قاله القاسم بن الوليد.
الثاني : يمضي أمامه قدُماً لا ينزع عن فجور، قاله الحسن.
الثالث : بل يريد أن يرتكب الآثام في الدنيا لقوة أمله، ولا يذكر الموت، قاله الضحاك.
الرابع : بل يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار، وهو معنى قول ابن زيد.
ويحتمل وجهاً خامساً : بل يريد أن يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا، ثم وجدت ابن قتيبة قد ذكره وقال إن الفجور التكذيب واستشهد بأن أعرابياً قصد عمر بن الخطاب وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي :

أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ
فاغفر له اللهم إنْ كان فجَرْ يعني إن كان كذبني بما ذكرت.
﴿ فإذا بَرِقَ البصرُ ﴾ فيه قراءتان :
إحداهما : بفتح الراء، وقرأ بها أبان عن عاصم، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : يعني خفت وانكسر عند الموت، قاله عبد الله بن أبي إسحاق.
الثاني : شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً، وأنشد الفراء :
فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ.
أي ولا تفزع من هول الجراح.
الثانية : بكسر الراء وقرأ بها الباقون، وفي تأويلها وجهان :
أحدهما : عشى عينيه البرق يوم القيامة، قاله أشهب العقيلي، قال الأعشى :
وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا.
الثاني : شق البصر، قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابي :
لما أتاني ابن عمير راغباً أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق.
﴿ وخَسَفَ القمرُ ﴾ أي ذهب ضوؤه، حتى كأنّ نوره ذهب في خسفٍ من الأرض.
﴿ وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب [ أسودين مكورين ] مظلمين مقرنين.
الثاني : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف لتكامل إظلام الأرض على أهلها، حكاه ابن شجرة.
الثالث : جمع بينهما في البحر حتى صارا نار الله الكبرى.
﴿ يقولُ الإنسانُ يومئذٍ أين المفرُّ ﴾ أي أين المهرب، قال الشاعر :
أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ.
ويحتمل وجهين :
أحدهما :« أين المفر » من الله استحياء منه.
الثاني :« أين المفر » من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين :
أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة من عرصة القيامة دون المؤمن، ثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها.


الصفحة التالية
Icon