قوله تعالى :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه محمول على الجراح التي تتمثل في القصاص دون غيرها من سب أو شتم، قاله الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان.
الثاني : أنه محمول على مقابلة الجراح، وإذا قال أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله، ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب، قاله ابن أبي نجيح والسدي. وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها وأنها عند المعاقب بها سواء.
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ فأذن في الجزاء وندب إلى العفو.
وفي قوله :﴿ وأَصْلَحَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أصلح العمل، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أصلح بينه وبين أخيه، قاله ابن زياد، وهذا مندوب إليه في العفو عن التائب دون المصرّ. روى أنس عن النبي ﷺ أنه قال :« إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ. مَن كَانَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلِ الجَنَّةَ، فَيُقَالُ مَن ذَا الَّذي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَقُولُونَ العَافُونَ عَنِ النَّاسِ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ».
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظّالِمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الظالمين في الابتداء، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : المعتدي في الجزاء، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ أي استوفى حقه بنفسه.
﴿ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ﴾ وهذا ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون قصاصاً في بدن يستحقه آدمي فلا حرج عليه فيه إذا استوفاه من غير عدوان، وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفرده بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدماء، وإن كان حقه غير ثابت عند الحكام فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج وهو في الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ.
والقسم الثاني : أن يكون حداً لله لا حق فيه لآدمي كحد الزني وقطع السرقة. فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نظر فإن كان قطعاً في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق إلا التعزير أدباً، وإن كان جلداً لم يسقط به الحد لتعديه به مع بقاء محله وكان مأخوذاً بحكمه.
القسم الثالث : أن يكون حقاً في مال فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان من هو عليه عالماً به، وإن كان غير عالم نظر، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه، وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه مع عدم بينة تشهد به ففي جواز الاستسرار بأخذه مذهبان :
أحدهما : جوازه، وهو قول مالك، والشافعي.
الثاني : المنع، قاله أبو حنيفة.
قوله تعالى :﴿ إِنَّما السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يظلمون الناس بعدوانهم عليهم وهو قول كثير منهم.