ص : ٢٨٠
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
وقال الآخر :
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
وقال الآخر :
بغي النفوس معيدة نعماءهما نقما، وإن عمهت وطال غرورها
فأنث في الأول «السور» المضاف إلى المدينة، وفي الثاني «المر» المضاف إلى الرياح وفي الثالث «البغي» المضاف إلى النفوس لتأنيث المضاف إليه مع أن التذكير أصل والتأنيث فرع فحمل الأصل على الفرع فلأن يجوز تذكير المؤنث لإضافته إلى غير مؤنث أولى، لأنه حمل للفرع على الأصل، ومن الأول أيضا قول الشاعر :
وتشرق بالأمر الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
فأنث الصدر لإضافته إلى القناة. وأنشدني بعض أصحابنا لأبي محمد بن حزم في هذا المعنى بإسناد لا يحضرني :
تجنب صديقا مثل ما واحذر الذي تواه كعمرو بين عرب وأعجم
فإن صديق السوء يردى وشاهدي كما شرقت صدر القناة من الدم
ومنه قول النابغة :
حتى استغثن بأهل الملح ضاحية يركضن قد قلقت عقد الأطانيب
ومنه قول لبيد :
فمضى وقدمها، وكانت عادة منه إذا هي عرّدت أقدامها
وهذا المسلك- وإن كان قد ارتضاه غير واحد من الفضلاء- فليس بقوي، لأنه إنما يعرف مجيئه في الشعر، ولا يعرف في الكلام الفصيح منه إلا النادر، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه. والذي قواه هاهنا شدة اتصال