ص : ٣٩٧
أمواج الشبه الباطلة، والخيالات الفاسدة، من الظنون، والجهليات التي يسميها أهلها القواطع العقليات. فهي في صدره كما قال اللّه ٢٤ : ٤٠ أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
فانظر كيف تضمنت هذه الآيات طرائق انتظمت طوائف بني آدم أتم انتظام واشتملت عليها أكمل اشتمال. فإن الناس قسمان : أهل الهدى والبصائر. الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عن اللّه سبحانه، وأن كل ما عارضه فشبهات يشتبه أمرها على من قل نصيبه من العقل والسمع، فيظنها شيئا له حاصل ينتفع به، وهي :
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٩ إلى ٤٠]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)
وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق، أصحاب العلم النافع، والعمل الصالح، الذين صدقوا الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في أخباره، ولم يعارضوه بالشبهات، وأطاعوه في أوامره، ولم يضيعوها بالشهوات. فلا هم في علمهم من أهل الخوض الخراصين، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ، ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم، الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك هم الخاسرون. أضاء لهم نور الوحي المبين، فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون، مغترين بظاهر السراب، ممحلين مجدبين مما بعث اللّه به رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من الحكمة وفصل الخطاب، إن عندهم إلا نحاتة الأفكار، وزبالة الأذهان التي


الصفحة التالية
Icon