ص : ٥٨١
وبسر قد ذنّب، وماء عذب أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : إنما ذلك للكفار، ثم قرأ ٤٣ : ١٧ وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ؟.
وقال الواحدي : والظاهر يشهد بهذا القول. لأن السورة كلها خطاب للمشركين وتهديد لهم. والمعنى أيضا يشهد بهذا القول، وهو أن الكفار لم يؤدوا حق النعيم عليهم، حيث أشركوا بربهم وعبدوا غيره، فاستحقوا أن يسألوا عما أنعم به عليهم، توبيخا لهم، هل قاموا بالواجب فيه، أم ضيعوا حق النعمة؟ ثم يعذبون على ترك الشكر بتوحيد المنعم.
قال : وهذا معنى قول مقاتل، وهو قول الحسن. قال : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار.
قلت : ليس في اللفظ ولا في السنة الصحيحة، ولا في أدلة العقل ما يقتضي اختصاص الخطاب بالكفار، بل ظاهر اللفظ، وصريح السنة والاعتبار : يدل على عموم الخطاب لكل من اتصف بأنه ألهاه التكاثر. فلا وجه لتخصيص الخطاب ببعض المتصفين بذلك.
ويدل على ذلك :
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عند قراءة هذه السورة «يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت؟ أو لبست فأبليت- الحديث» وهو في صحيح مسلم
. وقائل ذلك قد يكون مسلما.
وقد يكون كافرا.
ويدل عليه أيضا : الأحاديث التي تقدمت، وسؤال الصحابة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وفهمهم العموم، حتى قالوا له «و أي نعيم نسأل عنه، وإنما هو الأسودان» فلو كان الخطاب مختصا بالكفار لبين لهم ذلك. و
قال : مالكم ولها؟ إنما هي للكفار.
فالصحابة فهموا العموم، والأحاديث صريحة في التعميم. والذي أنزل عليه القرآن أقرهم على فهم العموم.