ص : ٦٩٤
أو أحدهما. فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت، فهي مرض الموت المخوف.
ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربه عليك، فإذا فارقك سكن الألم.
ومنهم من مخالطته حمى الروح. وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه وفرحه به. فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس. وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض. ويذكر عن الشافعي رحمه اللّه أنه قال : ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.
ورأيت يوما عند شيخنا قدس اللّه روحه رجلا من هذا الضرب والشيخ يحمله، وقد ضعفت القوى عن حمله، فالتفت إليّ وقال : مجالسة الثقيل حمى الربع. ثم قال : لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى، فصارت لها عادة. أو كما قال.
وبالجملة : فمخالطة كل مخالف حمى للروح، فعرضية ولازمة. ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب. وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف، حتى يجعل اللّه له من أمره فرجا ومخرجا.
القسم الرابع : من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم.
فإن اتفق لآكله ترياق، وإلا فأحسن اللّه فيه العزاء. وما أكثر هذا الضرب في الناس لأكثرهم اللّه. وهم أهل البدع والضلالة، الصادون عن سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، الداعون إلى خلافها، الذين يصدون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا، فيجعلون البدعة سنة، والسنة بدعة، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا.


الصفحة التالية
Icon