وقال عكرمة: نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤساء اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من شأن محمد ﷺ وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم.
قوله (ما كانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤتِيَهُ اللهُ) الآية. قال الضحاك ومقاتل: نزلت في نصارى نجران حين عبدوا عيسى، وقوله لبشر، يعني عيسى، أن يؤتيه الله الكتاب: يعني الإنجيل. وقال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء: إن أبا رافع اليهودي والرئيس من نصارى نجران قال: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن يعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الحسن: بلغني أن رجلاً قال: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله (أَفَغيرَ دينِ اللهِ يَبغونَ) قال ابن العباس: اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله ﷺ فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله تعالى (أَفَغَيرَ دينَ الله ِيَبغونَ).
قوله (كَيفَ يَهدي اللهُ قَوماً كَفَروا بَعدَ إِيمانِهِم) الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا محمد بن حيان، أخبرنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن عاصم، عن خالد وداود، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلاً من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى (كَيفَ يَهدي اللهُ قَوماً كَفَروا بَعدَ إِيمانِهِم) إلى قوله (إِلّا الَّذينَ تابوا) فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت إليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل أصدق الثلاثة، فرجع ثانياً، فقبل منه رسول الله ﷺ وتركه.
أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أبو يحيى، حدثنا سهل، عن يحيى بن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الأنصار عن الإسلام ولحق بالشرك، فندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة، فإني قد ندمت، فنزلت (كَيفَ يَهدي اللهُ قَوماً كَفَروا) حتى بلغ (إِلّا الَّذينَ تابوا) فكتب قومه إليه، فرجع فأسلم.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد، أخبرنا أبو بكر بن زكريا، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه، حدثنا أحمد بن يسار، حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا جعفر بن سليمان، عن حميد بن الأعرج عن مجاهد قال: كان الحرث بن سويد قد أسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لحق بقومه وكفر، فأنزلت فيه هذه الآية (كَيفَ يَهدي اللهُ قَوماً كَفَروا بَعدَ إِيمانِهِم) إلى قوله (فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ) حملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه فقال الحرث: والله إنك ما علمت لصدوق، وإن رسول الله ﷺ لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة، ثم رجع فأسلم إسلاماً حسناً.
قوله (إِنَّ الَّذينَ كَفَروا بَعدَ إِيمانِهِم) قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني: نزلت في اليهود كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفراً بمحمد والقرآن. وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد ﷺ بعد إيمانهم بنعته وصفته، ثم ازدادوا كفراً بإقامتهم على كفرهم.
قوله (كُلُّ الطَعامِ كانَ حِلًّاً لِّبَني إِسرائيلَ) قال أبو روق الكلبي: نزلت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه على ملة إبراهيم، فقالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كان ذلك حلالاً لإبراهيم، فنحن نحله، فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا، فأنزل الله عز وجل تكذيباً لهم (كُلُّ الطَعامِ كانَ حِلاًّ لِّبَني إِسرائيلَ) الآية.


الصفحة التالية
Icon