قوله تعالى (وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِراً إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) قال ابن عباس في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب الآية التي نزلت (إِن الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضمرة الليثي لبنيه وكان شيخاً كبيراً: احملوني فإني لست من المستضعفين وإني لا أهتدي إلى الطريق، فحمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت، فصفق يمينه على شماله وقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعتك يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات حميداً، فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لو وافى المدينة لكان أتم أجراً، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية.
أخبرنا أبو حسان المزني قال: أخبرنا هرون بن محمد بن هرون قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال: حدثنا أبو الوليد الأزرقي قال: حدثنا جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الإسلام ولم يستطيعوا الهجرة، فلما كان يوم بدر وخرج بهم كرهاً فقتلوا، أنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم) إلى قوله تعالى (عَسى اللهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم) إلى آخر الآية. قال: وكتب بذلك من كان بالمدينة إلى من بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر وكان مريضاً أخرجوني إلى الروحاء فخرجوا به، فخرج يريد المدينة، فلما بلغ الحصحاص مات، فأنزل الله تعالى (وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِراً إِلى اللهِ وَرَسولِهِ).
قوله تعالى (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) أخبرنا الأستاذ أبو عثمان الزعفراني المقري سنة خمس وعشرين قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السدي سنة ثلاث وستين قال: أخبرنا أبو سعيد الفضل بن محمد الجزري بمكة في المسجد الحرام سنة أربع وثلثمائة قال: أخبرنا يحيى بن زياد اللخمي قال: حدثنا أبو قرة موسى بن طارق قال: ذكر سفيان عن منصور، عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش الورقي قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر، فقال المشركون: قد كانوا على حال لو كنا أصبنا منهم غرة قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم قال: وهي العصر، قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الأولى والعصر (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) وهم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، وذكر صلاة الخوف.
أخبرنا عبد الرحمن بن عبدان قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الضبي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ﷺ فلقي المشركين بعسفان، فلما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم، لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم، فاستعدوا حتى تغيروا عليهم فيها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه (وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَلاةَ) إلى آخر الآية. وأعلم ما ائتمر به المشركون، وذكر صلاة الخوف.