قوله تعالى (إِنا أَنزَلنا إِليكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ الناسِ بِما أَراكَ اللهُ) الآية. إلى قوله تعالى (وَمَن يُشرِك بِاللهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً بَعيداً) أنزلت كلها في قصة واحدة. وذلك أن رجلاً من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحارث سرق درعاً من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم، فقال أصحاب الدرع: بلى والله قد أدلج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتى دخل داره، فرأينا أثر الدقيق، فلما أن حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه، فقال: دفعها إلي طعمة بن أبيرق، وشهد له أناس من اليهود على ذلك، فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكلموه في ذلك، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبريء اليهودي، فهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل وكان هواه معهم وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل الله تعالى (إِنا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ) الآية كلها، وهذا قول جماعة من المفسرين.
قوله تعالى (لَّيسَ بِأَمانِّيكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ) أخبرنا أبو بكر التميمي قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى قال: حدثنا سهل قال: حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قال: جلس أهل الكتاب أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأديان كل صنف يقول لصاحبه: نحن خير منكم، فنزلت هذه الآية. وقال مسروق وقتادة: احتج المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نحن أهدى منكم، نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أهدى منكم وأولى بالله نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب التي قبله، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان بقوله تعالى (وَمَن يَعمَل مِن الصَالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ) وبقوله تعالى (وَمَن أَحسَنُ ديناً مِّمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ) الآيتين.
قوله تعالى (وَاِتَّبَعَ مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفاً واِتَّخَذَ اللهُ إِبراهيمَ خَليلاً) اختلفوا في سبب اتخاذ الله إبراهيم خليلاً، فأخبرنا أبو سعيد النضروي قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال: حدثنا ابن ربيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟؟ قال: لإطعامه الطعام يا محمد.
وقال عبد الله بن عبد الرحمن البزي: دخل إبراهيم فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه، قال له إبراهيم: بإذن من دخلت؟ فقال: بإذن رب المنزل، فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلاً، قال إبراهيم: ومن ذلك؟ قال: وما تصنع به؟ قال: أكون خادماً له حتى أموت، قال: فإنه أنت.