وقال السدي: كانت العرب تمر بيهود فتلقى اليهود منهم أذى، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة أن يبعثه الله فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد ﷺ كفروا به حسداً، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل.
قوله (قُل مَن كانَ عَدوَّاً لِجِبريلَ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد الزاهد قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال: أخبرنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن بكير، عن ابن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلى النبي ﷺ فقالوا: يا أبا القاسم نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك، أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة، فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عز وجل بالرسالة بالوحي، فمن صاحبك؟ قال: جبريل، قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال، ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالمطر والرحمة اتبعناك، فأنزل الله تعالى (قُل مَن كانَ عَدُوَّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَلَهُ عَلى قَلبِكَ) إلِى قوله (فَإِنَ الَلهَ عَدُوٌّ لِّلكافِرينَ).
قوله (مَن كانَ عَدُوّاًً للهِ وَمَلائِكَتِهِ) الآية. أخبرنا أبو بكر الأصفهاني قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة القرآن التوراة وموافقة التوراة القرآن، فقالوا يا عمر ما أحد أحب إلينا منك، قلت ولم؟ قالوا: لأنك تأتينا وتغشانا، قلت: إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضاً، وموافقة التوراة القرآن، وموافقة القرآن التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله ﷺ خلف ظهري، فقالوا: إن هذا صاحبك فقم إليه، فالتفت إليه فإذا رسول الله ﷺ قد دخل خوخة من المدينة، فأقبلت عليهم فقلت: أنشدكم بالله وما أنزل عليكم من كتاب أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه، فقالوا: أنت سيدنا فأخبره، فقال سيدهم: إنا نعلم أنه رسول الله، قال: فقلت فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله ﷺ ثم لم تتبعوه، قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة، فقلت من عدوكم، ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وهو ملك الفظاظة والغلظة والإصار والتشديد، قلت: ومن سلمكم؟ قالوا: ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين والتيسير، قلت: فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أنه يعادي سلم ميكائيل، وما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل، وإنهما جميعاً ومن معهما أعداء لمن عادوا، وسلم لمن سالموا، ثم قمت فدخلت الخوخة التي دخلها رسول الله ﷺ فاستقبلني فقال: يا ابن الخطاب ألا أقرؤك آيات نزلت علي من قبل؟ قلت: بلى، فقرأ (قًل مَن كانَ عَدُوّاً لِجِبريلَ فَإِنَّهُ) الآية، حتى بلغ (وَما يَكفُرُ بِها إِلا الفاسِقونَ) قلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود، فإذا اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر. قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر.
وقال ابن عباس: إن حبراً من أحبار اليهود من فدك يقال له عبد الله بن صوريا حاج النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء، فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء؟ قال: جبريل، ولم يبعث الله نبياً إلا وهو وليه، قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب والقتال والشدة، فإنه عادانا مراراً كثيرة، وكان أشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يدي رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل، في طلب بختنصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه، وإن لم يكن هذا فعلى أي حق تقتله، فصدقه صاحبنا ورجع إلينا، وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله هذه الآية.