والمفسرون أيضاً مختلفون، فعند بعضهم أنها في أهل الكتاب خاصة. وقال السدي: هي في أهل القبلة. وقال الضحاك: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين. قال وقال عطاء ابن عباس في قوله تعالى (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ) قال: يريد من المؤمنين.
أخبرنا أبو الحسين أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن داود بن صدقة قال: حدثنا عبد الله بن معافى قال: حدثنا شريك، عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي جعدة، عن ثوبان قال: لما نزلت (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تباً للذهب والفضة، قالوا: يا رسول الله فأي المال نكنز؟ قال: قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة صالحة.
قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُم اِنفِروا) الآية. نزلت في الحث على غزوة تبوك، وذلك أن رسول الله ﷺ لما رجع من الطائف وغزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من البأس وجدب من البلاد وشدة من الحر، حين أخرقت النخل وطابت الثمار، فعظم على الناس غزو الروم وأحبوا الظلال والمقام في المساكن والمال، وشق عليهم الخروج إلى القتال، فلما علم الله تثاقل الناس أنزل هذه الآية.
قوله تعالى (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمر، فأبى الله أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) فقال: ما أسمع الله عذر أحداً، فخرج مجاهداً إلى الشام حتى مات.
وقال السدي: جاء المقداد بن الأسود إلى رسول الله ﷺ وكان عظيماً ثميناً، فشكا إليه وسأله أن يأذن له، فنزلت، فيه (اِنفِروا خِفافاً وَثِقالاً) فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس، فنسخها الله تعالى وأنزل (لَّيسَ عَلى الضُعفاءِ وَلا عَلى المَرضى) الآية، ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالى (لَو كانَ عَرَضاً قَريباً) الآية. وقوله تعالى (لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلا خَبالاً) وذلك أن رسول الله ﷺ لما خرج عسكره على ثنية الوداع، وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حده أسفل من ثنية الوداع، ولم يكن بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله ﷺ تخلف عنه عبد الله بن أبي بمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه (لَو خَرَجوا فيكُم مّا زادُوكُم إِلّا خَبالاً) الآية.
قوله تعالى (وَمِنهُم مَّن يَقُولُ اِئذَن لّي) الآية. نزلت في جد بن قيس المنافق، وذلك أن رسول الله ﷺ لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء، وأني خشيت إن رأيت بنات الأصفر أن لا أصبر عنهن فلا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك وأعينك بمالي، فأعرض عنه النبي ﷺ وقال: قد أذنت لك، فأنزل الله هذه الآية، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ لبني سلمة، وكان الجد منهم: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجد بن قيس غير أنه بخيل جبان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل، بل سيدكم الأبيض الفتى الجعد بشر بن البراء بن معرور، فقال فيه حسان بن ثابت:
وَقالَ رَسولُ اللهِ وَالحَقُّ لاحِقٌ | بِمَّن قالَ مِنا مَن تَعُدّونَ سَيّدا |
فَقُلنا لَهُ جَدُّ ِبنُ قَيسٍ عَلى الَّذي | نُبَخِّلُهُ فينا وَإِن كانَ أَنكَدا |
فَقالَ وَأَيُّ الداءِ أَدوى مِنَ الَّذي | رَمَيتُم بِهِ جَدّاً وَعالى بِها يَدا |
وَسُوِّدَ بِشرُ ِبنُ البَراءِ بِجُودِهِ | وُحُقَّ لِبِشرٍ ذِى النَدا أَن يُسَوَّدا |
إِذا ما أَتاهُ الوَفدُ أَنهَبَ مالَهُ | وَقالَ خُذوهُ إِنَّهُ عائِدٌ غَدا |