وقد قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: اقروا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف، فإن الله لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن، وأحرى لمن تنبه على تعظيم حرمات الله في نص التنزيل من الشعائر والمشاعر والمناسك والمسعى والمواقف - أن يتنبه لحرمة ما هو أعظم حرمة عند الله سبحانه منهن وهو المؤمن، ثم لحرمة من اتخذه الله من بين المؤمنين أهلين من جملتهم وهم حملة كتابه، ولولا ورود الشرع بها من لفظه لاستعظم إضمارها، فكيف بإظهارها؟ وإنما تنبيهي على ما جعل الله لأهليه من الحق والحرمة من بين خلقه، لأنا قد بلينا في الموقف بقوم من نشئة لا يعبئون بكتاب الله ولا بحفظه، فلا يعبأ الله بهم، قاصرين عنه، حاجزين، مفترين غيرهم، مزهدين فيه، ملقبين حملته بالقراء على النبز والازدراء دون المدح والإطراء ما بين المترسمين بالعلم والمتوسمين بالنسك، جل كلامهم: أن حفظ القرآن يصلح للمعلمين والصبيان، ولم يُقرأ عند المرضى وفي المقابر، وأكثر فتياهم أنه يكفي من القرآن ما يسقط به الفرض، بعدما علموا أن رسول الله ﷺ قال عن الله عزوجل: (من شغله القرآن عن ذكري ومسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين). وقال عليه الصلاة والسلام: أفضل العبادة القرآن). ولما سئل عليه السلام عن أفضل الأعمال؟ قال: (عليك بالحال المرتحل) قيل: وما الحال المرتحل؟ قال: (صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، ثم يضرب في آخره حتى يبلغ في أوله) ونحوها من الأخبار التي وردت، وسأسوق قليلا منها مسندا ومبوبا يدل على كثير جاء في هذا المعنى، وقد قال الله تعالى: (ما يَوَد الَّذَينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَلا المُشرِكينَ أَن يُنَزَلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِكُم وَاللَهُ يَختَصُ بِرَحَمَتِهِ مَن يَشاءُ) قيل: معناه: بحفظ القرآن، أي ما حسدتكم اليهود والنصارى على شيء كحفظ القرآن، وبحفاظ الأمة أنجز الله حسن موعوده من قوله تعالى: (إِنَّا نَحنُ نَزَلنا الذِكرَ وَإِنَّا لَحافِظون).
وبحفظ وبحفظ القرآن وصفهم الله عز وجل بالعلم، فقال: (بَل هُوَ ءاياتٌ بَيناتٌ في صُدُورِ الَّذينَ أَوتُوا العِلمَ).
وقرر لهم حقيقة العلم، وكذلك وجدهم موسى عليه السلام فقال: يا رب، إني أجد في التوارة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونه ظاهرا. وكذلك أشعيا بن راموص فقال: قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار).
وعن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال: طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به.


الصفحة التالية
Icon