فالقسم الأول: إن كانت الياء ضمير المتكلم، فإنها: إن كانت للعبد فهو الغائب، وإن كانت للرب فالغيبة للمذكور معها فإن العبد هو الغائب عن الإدراك في ذلك كله فهو في هذا المقام مسلم مؤمن بالغيب مكتف بالدلائل والآثار فيقتصر في الخط لأجل ذلك على نون الوقاية والكسرة وفيه من جهة الخطاب به الحوالة على الإستدلال بالآيات دون تعرض لصفات الذات. ولما كان الغرض من آي القرآن جهة الإستدلال والإعتبار بالآثار وضرب الأمثال دون التعرض لصفة الذات كما قال تعالى: (وَيُحَذِرُكُمُ اللَهَ نَفسَه) وقال الله تعالى: (فَلا تَضرِبوا لِلهِ الأَمثال إِن اللَهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمون) كان الحذف في خواتم الآي كثيرا مثل: (فاتَقون)، (فارهَبون) (وَما خَلَقتُ الجِنّ والإِنسَ إِلا لِيَعبُدونَ ما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَما أُريدُ أَن يُطعِمونَ) وهذا كثير جدا. وكذلك ضمير العبد مثل: (إِن يُردنِ الرَحمنُ) العبد غائب عن علم إرادة الرحمن، إنما علمه بها تسليما وإيمانا برهانيا عن الدلائل والآثار من مقتضى اسمه العزيز الغفار.
وكذلك قوله تعالى في العقود: (فَلا تَخشوا الناسَ واخشون).
" الناس " كل لا يدل على ناس بأعيانهم ولا موصوفين بصفة فهم كل ولا يعلم الكل من حيث هو كل بل من حيث أثر البعض في الإدراك. ولا يعلم الكلي إلا من حيث أثر الجزئي في الإدراك.
والخشية هنا كلية لشيء غير معلوم الحقيقة. فوجب أن يكون الله أحق بذلك فإنه حق وإن لم نحط به علما كما أمر سبحانه بذلك ولا يخشى غيره لأنه توهم كاذب. فهذا الحرف على غير حال ما في البقرة. قال تعالى فيها: (فَلا تَخشَوهُم وَاخشون) ضمير الجمع يعود على الذين ظلموا من الناس فهو بعض لا كل ظهروا في الملك بالظلم. فالخشية هنا جزئية. فأمر الله سبحانه أن يخشى من جهة ما ظهر كما يجب ذلك جهة ما ستر فإنه سبحانه عزيز ذو انتقام.
وكذلك حذفت الياء من :(فَبِشِر عِبادِ الَّذين يَستَمِعون) و (قُل يا عِباد الَّذَينَ آمَنوا) هذا خطاب لرسوله عليه السلام على الخصوص. فقد توجه الخطاب إليه في فهمنا و غاب العباد كلهم عن علم ذلك. فهم غائبون عن شهود هذا الخطاب لا يعلمونه إلا بواسطة الرسول ﷺ فهو على غير حال ما في قوله تعالى: (يا عِبادِ لا خَوفُ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنون) و هذا خطاب لهم في يوم الآخرة يفهم منه أنهم غير محجوبين عنه.
جعلنا الله منهم إنه منعم كريمس.
وثبت حرف النداء، فإنه أفهمهم نداءه الأخروي في موطن الدنيا في يوم ظهورهم بعد عدمهم وفي محل أعمالهم إلى حضورهم يوم ظهورهم الأخروي بعد موتهم في محل جزائهم.
وكذلك: (يا عبادي الَّذيَنَ أَسرَفوا) ثبت الضمير وحرف النداء في الخط فإنه دعاهم من مقام إسلامهم وحضرة أعمالهم إلى مقام إحسانهم وحضرة آمالهم.
وكذلك (يا عبادىَ الَّذَينَ آَمَنوا) في العنكبوت ثبت الضمير وحرف النداء. فإنه دعاهم من حضرتهم في مقام إيمانهم إلى حضرتهم في مقام إحسانهم إلى ما لا يعلم من الزيادة بعد الحسنى.
وكذلك سقطت في الدعاء مثل: (رَبِ اِغفِر لي) وذلك أن من مقتضى هذا الإسم العزيز بدأ التكوسي وبه قوامه. فهو أول اسم لنا أثره في الوجودن. فحذفت الياء علامة لعدم الإحاطة به عند التوجه إليه " لغيبنا " نحن عن الإدراك. وحذف حرف النداء لأنه أقرب إلينا من أنفسنا قال تعالى: (وَإِذا سَأَلَكَ عِباديَ عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدَاعِ إِذا دَعانِ).
وكذلك (وَقيلهِ يا رَبّ إِنّ هَؤلاءِ) أثبت حرف النداء لأنه دعا ربه من رتبة حضوره معهم في مقام الملك لقوله: (إِنّ هَؤلاءِ) وأسقط حرف ضميره لغيبه عن ذاته في توجهه في مقام الملكوت ورتبة إحسانه في إسلامه.
وكذلك في مثل: (ياقَوم) دلالة على أنه خارج عنهم في خطابه كما هو ظاهر في الإدراك وإن كان متصلا بهم في النسبة الرابطة بينهم في الوجود المعلومة من الدلائل والآثار.


الصفحة التالية
Icon