ثم طبقة أخرى دون هؤلاء يدل عليها ما في قصة نوح أيضا في سورة هود. فإنهم وصفوا بالذين كفروا و " بعدها " نسبوا إلى قومه مثل أولئك. وقال هؤلاء في الآية (وَما نَرى لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ بَل نَظُنُكُم كاذِبين) فهؤلاء جوزوا أن يكون غيرهم من البشر أفضل منهم فإنهم طبقة دون أولئك.
ثم طبقة أخرى يدل عليها ما في قصة نوح أيضا في الأعراف لم يوصفوا ولم يذكروا تفصيلا فهم بمعنى " أشرف " قومه من غير مزيد اعتبار. فهم أخفض الطبقات في اعتبار الملأ. فأرفع طبقة وأظهرها في الوجود هم الذين عضدت همزتهم. وما في سورة النمل فظاهر بيّن أنهم أصل المشورة والفتوى لأنهم شووروا في أمر سليمان عليه السلام وتعتبر ما لم نذكره بمثل ما ذكرته يحول الله.
و " كذلك :(نَبوا الَّذينَ مِن قَبلِكُم) في سورة إبراهيم. (نَبوا الخَصم) و (نَبَوا عَظيم) في سورة " ص " عضدت الهمزة لظهور تلك الأنباء وعظمها في الوجود، و لكن بالنسبة إلى ما قد وقع مفهوما من خبرها. ولذلك زيدت الألف. وكذلك (يَبدوا الخَلق) عضدت الهمزة لظهور الخلق في الملك بالنسبة إلى الملكوت.
وهذه الكلمات جوامع جزئيات. وتعتبر ما لم نذكره بمثل ما " قد " ذكرته بحول الله.
وإن كان ما قبل الهمزة ساكنا فإن كان الألف مثل: " هباء " وجفاء فإنها لا تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقويها مثل (أَو لَم يَكُن لَهُم آَية اَن يُعلِمَهُ عُلَماءُ بَني إِسرائيل) عضدت الهمزة تنبيها على علو درجتهم في العلم وظهورهم في الوجود في أرفع طبقة المرجوع إليهم في جزئيات العلم وكلياته ولذلك جعلهم الله آية.
واختلفت المصاحف في حرف آخر وهو (إِنّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَمؤا).
وكذلك جزاؤا: خمسة أحرف.
أحدها في العقود: (إِنّما جَزاوا الَّذَينَ يُحارِبونَ اللَهَ وَرَسولَهُ).
وفيها: (وَذَلِكَ جَزاؤا الظَالِمين).
وفي الشورى: (وَجَزاؤا سَيئَةٍ سيئَةٌ مِثلُها).
وفي الحشر: (وَ ذَلِكَ جَزاؤا الظَالِمين).
وفي الزمر: (ذَلِكَ جَزاؤا المُحسِنين).
وفي طه: (وَذَلِكَ جَزاؤا مَن تَزَكى) على اختلاف في هذا فهذه الحروف عضدت همزتها لظهورها وظهور مصالحها في الوجود لكن بالنسبة إلى تلك الأعمال التي هي " جزاء " عليها وهي جوامع الأصناف من يجازي في الدنيا والآخرة ولذلك زيدت الألف بعد الواو في آخر الكلمة.
وكذلك شركاؤا: حرفان أحدهما في الأنعام (الَّذَينَ زَعَمتُم أنهُم فيكُم شُركاؤا) عضدت الهمزة لأنهم زعموا ذلك وأظهروه في الوجود وبالغوا في التشريك في الملك. وهذا خطاب في مواطن الآخرة يظهر للكافرين عيانا باطل ما هم عليه. والحرف الثاني في الشورة (أَم لَهم شُرَكاؤا شَرَعوا لَهُم) عضدت الهمزة بيانا أن ما أظهروه شركاء لله في الملك مفقود منهم صفة توجب لهم شيئا من ذلك. وهو خطاب في موطن الدنيا يظهر منه للمؤمنين باطل ما عليه الكافرون.
وهاتان الآيتان كافيتان في بيان الحق بحسب الفريقين وبحسب الدارسينس.
واختلف في الحرف الذي في سورة القلم فمن عضد الهمزة فللتنبيه على ظهور باطلهم لهم في الدنيا في معرض " الإحتجاج " عليهم ومن لم يعضدها فلأنهم لا يعقلون " إذ لو كانوا يعقلون " ما أشركوا.
وكذلك أنبؤا: حرفان في الأنعام وفي الشعراء جاء ذكر إتيانهما معا بعد قوله تعالى: (فَقَد كَذبوا) فدل على أن هذا الإتيان هو بالفعل في الملك إذ قد أعرضوا على إتيانها بالقول على التفصيل والإجمال كما أخبر الله تعالى عنهم في الآيتين.
وكذلك الضعفؤا: حرفان في إبراهيم وفي المؤمن يتحاجون في موضع ظهور ضعفهم على تفاصيله فهم ضعفاء في القول في احتجاجاتهم في الدنيا والآخرة، ضعفاء القوة لا ناصر لهم ولا راحم، ضعفاء العمل إذ هم تبع لغيرهم قد بلغوا غاية الضعف في الوجود.
وكذلك البلؤا: حرفان في " و " الصافات وفي الدخان عضدت الهمزة لعظم البلاء في الوجود وارتقائه إلى أعظم رتبة، إما في الشر بذبح الأنبياء وهم أقرب الأحباء، وإما في الخير بالنجاة منه وظهورا الآيات البينات. وكله قد وقع في الوجود. وهما أصلان جامعان كما هو " ٥ب " مذكور في السورتين.
وكذلك شفعاؤا: أفرد في الروم: (وَِلَم يَكُن لَهُم مِن شُرَكائِهِم شُفَعاؤا) و الشفعاء أعظم رتبة يوم القيامة حين تظهر الشفاعة بالفعل في الملك الأخروي وذلك مسلوب عن شركائهم.