غزوة الأحزاب وعناصر الإيمان الراسخة
جاء في كتاب الله فيما يتعلق بغزوة الأحزاب أن الله سبحانه وتعالى بين أن الناس كانوا على قسمين حينما جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ﴿ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾ [الأحزاب: ١٠-١١] في هذه الشدة العصيبة برزت عدة عناصر: * العنصر الأول: عنصر الريب: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: ١٢]، المرض هو: الشك والريب وعدم اليقين، ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ [الأحزاب: ١٢]، وآخرون يقولون: ﴿ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ [الأحزاب: ١٣]، يثبطون الناس عن القتال.
* العنصر الثاني: عنصر الإيمان: بعد مشوار طويل مع هذا القسم في أحوالهم وبيان حقيقة أمرهم، وبعد التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكما قال الله: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ [التوبة: ١٢٨] إلى آخره، يأتي القسم الثاني: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: ٢٢].
ففي حدث واحد ومشهد واحد وشدةٍ عمت الجميع ينقسم الحضور إلى قسمين: * قسم يعتريه الريب يقولون: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ﴾ [الأحزاب: ١٢-١٣].
وقسم يقول: (هَذَا) حقاً ﴿ هَذا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ [الأحزاب: ٢٢] وأنه حق، وما زادتهم تلك الشدة وما زادهم ذاك الموقف لما ﴿ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ﴾ [الأحزاب: ١٠]، ما زادهم ذلك ﴿ إِلَّا إِيمَاناً ﴾ [الأحزاب: ٢٢] بالله وبوعد الله وبخبر الله ﴿ وَتَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: ٢٢] لأمر الله.
وجاء وبعدها ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ [الأحزاب: ٢٣]، بخلاف المنافقين والذين في قلوبهم مرض بدَّلوا، كانوا يقولون: أسلمنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، والآن بدلوا ويقولون: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ [الأحزاب: ١٢]، ولكن المؤمنين حقاً ما بدَّلوا.


الصفحة التالية
Icon