عظم رابطة الإيمان بين أهلها
فهنا يبين الله عظم هذا الربط بأن عليكم أن تقوموا بقتال الفئة الباغية ولو تكلفتم في ذلك ما تكلفتم، وفاء بحق الأخوة الإسلامية في حق الناس وأنتم معهم.
إذاً: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: ١٠] هاتان الطائفتان المتقاتلتان داخلتان في ضمن أخوة المؤمنين وأنتم منهم، وعليه فمجموعة المؤمنين مكلفة بإصلاح شأن بعضها البعض، فبرابطة الأخوة الإيمانية كلف الله المؤمنين فيها كمجموعة بأن تصلح بين أفرادها وجزئياتها، وطوائفها وجماعاتها، لا على مبدأ الوطنية أو الجنسية أو القبلية أو أي مبدأ كان في هذا المجتمع، ولكن على المبدأ الأساسي ألا وهو الأخوة الدينية.
ومن هنا يقول العلماء: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: ١٠]، المخاطبون بعيدون عن الفتن، وهنا أصلحوا بين أخويكم.
أي: الطائفتان، والتثنية هنا مراعى فيها الفريقان طائفة وطائفة تساوي طائفتين.
يقول علماء التفسير: ما عليه سلف الأمة: أن أي كبيرة لا تخرج صاحبها من الملة ولا يخرج بها عن عداد المؤمنين ما دام يعلم بأنها كبيرة بخلاف من استحل ما حرم الله، فهذه ليست كبيرة، هذا شرك بالله، فمن استحل ما حرم الله فقد كفر ويستتاب وإلا ضربت عنقه، أما إذا فعل المنهي عنه وهو يعلم بنهيه ويقر به لكن لغرض ما أو لضعف ما وقع فيما هو منهي عنه، فهذه كبيرة لا تخرجه عن عداد المؤمنين، فهاتان الطائفتان مع اقتتالهما وبغي إحداهما على الأخرى ما أخرج واحدة منهما عن مجموع المؤمنين، وكما هناك في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: ٤٨]، فهنا قالوا: هذا القتال بين الطائفتين لم يخرجهما عن الإيمان.
هناك: (بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا)، وهنا: (واتقوا الله) أي: في حق الطائفتن المتقاتلتين، ولا تتركوهما حتى يقضي بعضهما على بعض، ويزداد الشر ويستطير فيشمل غيرهم، وتكون الحالقة.
إذاً: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بهذا العمل، والقيام بالإصلاح وردع الباغية عن أختها؛ لأن هذا رحمة بكم أنفسكم؛ لأنكم إذا تركتموهم ربما انعكفوا عليكم، وربما كل طائفة استدعت ما يليها حتى عمت الفتنة في الأمة كلها، وحينئذ ليست هناك رحمة، فلعلكم ترحمون بقيامكم بالإصلاح، والقضاء على الفتنة، ولا شك أن في هذا رحمة للأمة.