المعاني التي اشتمل عليها قوله تعالى: (قالت الأعراب)
﴿ قَالَتْ الأَعْرَابُ ﴾، الأعراب هم سكان البوادي، والحاضر: سكان الحاضرة وهي المدن، فالناس من حيث المساكن والإقامة قسمان: من يسكن البوادي فهو أعرابي، ومن يسكن الحضر فهو حضري، فهنا هذا القسم: ﴿ قَالَتْ الأَعْرَابُ ﴾، أي: الذين جاءوا من البوادي: ﴿ آمَنَّا ﴾، وهذا إعلان بالإسلام، فرد عليهم وكُلف ﷺ أن يقول لهم: ﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾، لم يقل: (ولكن أسلمتم) لأنه لو قال ذلك: تكون شهادة لهم بإسلامهم حقاً، لكن كان الرد عليهم بمقتضى منهجهم: (قالوا آمنا) لا.
(قولوا أسلمنا)، أسلمنا بدل آمنا، ويكون المرجع إلى مقالتهم هم لا إلى تصديق الوحي على دعواهم، فيكون إقراراً من الوحي بإسلامهم، وإسلامهم مناقش فيه.
وهنا مباحث أصولية: (قَالَتْ الأَعْرَابُ) (أل) هنا هل هي للاستغراق أو للجنس؟ وهل كل الأعراب على هذا النمط، وهل كل من قال من عموم الأعراب (آمنا) يقال لهم: لا.
لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا؟ الواقع أنه بخلاف ذلك، وأنه عام في الأعراب أريد به خصوص طائفة فقط من عموم الأعراب.
واتفقوا على أنها نزلت في أعراب من بني أسد لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! نحن أسلمنا وآمنا بدون قتال كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، على ما سيأتي: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ﴾ [الحجرات: ١٧]، أي: بدون قتال، إذاً: (قَالَتْ الأَعْرَابُ) عام أريد به خاص.
وقد بين والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في: أضواء البيان عند هذه الآية ما جاء في عموم الأعراب بالإجمال والتفصيل، جاء في عموم الأعراب: ﴿ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ [التوبة: ٩٧]، ثم جاء بعد ذلك: ﴿ وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ ﴾ [التوبة: ٩٨]، ثم جاء بعدها: ﴿ وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ ﴾ [التوبة: ٩٩]، فالآية أو السياق: ﴿ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ﴾، شملت الجميع، ثم فصلت من بعض الأعراب من يتربص بكم الدوائر، ومن بعض الأعراب من يؤمن وينفق ويتخذ ذلك مغنماً عند الله.