و أما تأويل اللفظ : فالأصل فيه أن يحمل على معنى لم يكن ظاهرا منه، فالكلام الذي لا يظهر معناه غير ذلك الظاهر تأويلا. و يطلق على نفس المعنى الذي حمل عليه، ويطلق على نفس الحقيقة التي عبر عنها باللفظ
فإذا قال المفسر في قوله تعالى :﴿ و غدوا على حرد قدرين ﴾، ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾، ﴿ فسوف يلقون غيا ﴾، ﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاما ﴾ ﴿ سأرهقه صعودا ﴾.
الحرد : المنع. ويل وغي و أثام : أودية في جهنم. صعود جبل فيها
فحمله إياها على هذه المعاني هو التأويل بالإطلاق الأول، و نفس تلك المعاني هي التأويل بالإطلاق الثاني.
يقال : ما تأويل الحرد ؟ فيقال : المنع. و ما تأويل صعود ؟ فيقال تأويله أنه جبل في جهنم.
و نفس المنع، و تلك الأودية، و ذلك الجبل : هي التأويل بالإطلاق الثالث.
و يحتمل الأول و الثاني دعاء النبي - ﷺ - لابن عباس "اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل".
و في رواية :"اللهم علمه الحكمة و تأويل الكتاب".
و قد ذكر الحافظ طرق الحديث في الفتح، في كتاب العلم، في شرح باب : قول النبي - ﷺ - :"اللهم علمه الكتاب".
و يحتمل أن يكون المراد : علمه كيف يؤول، فيكون من الإطلاق الأول، و يحتمل أن يكون المراد : علمه المعاني التي يؤول إليها ألفاظ الكتاب، فيكون الإطلاق الثاني، و الله أعلم
و من الثالث : قوله تبارك و تعالى :﴿ و لقد جئناهم بكتاب فصلنه على علم هدى و رحمة لقوم يؤمنون - هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ﴾، وقوله - عز وجل - ﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى.... بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله ﴾
الباب الثاني
في حكم التأويل
قد تقرر في الأصول أنه لا تكليف إلا بفعل، و الفعل إنما يتأتى في التأويل بالإطلاق الأول، فأقول :
(١/١٠)
اللفظ الذي يراد تأويله لا يخلو عن ثلاثة أحوال :