و بالقدر ؛ لأنه لا يسلم الإيمان بقدرة الله تعالى وعلمه وحكمته إلا به، و قد اشتهر عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه قال :"إذا سلم القدرية بالعلم حجوا". و لهذا القول غور أبعد مما فهموه منه، و قد لوحت إليه، و عسى أن ألم به في موضع آخر.
وعامة ما ذكر يمكن إدراكه بالعقل، ولا سيما بعد تنبيه الأنبياء، فآيات الآفاق و الأنفس تدل على وجود الله، إذ لا بد للأثر من مؤثر، فأي أثر تحس به في الكون لا بد له من مؤثر، فإذا فرض مؤثر حادث كان هو أيضا محتاجا إلى آخر، و هكذا حتى ينتهي الفكر إلى مؤثر غني بنفسه هو الله - عز وجل -
و الآثار في الآفاق و الأنفس تدل على حياة المؤثر الأعظم، وقدرته، وعلمه، وحكمته، وما تدل عليه الآثار من حكمته يوجب العلم بأنه لم ينشئ الناس هذه النشأة عبثا، و لا يدعهم سدى و هملا، ولا يكلهم إلى عقولهم المحدودة المختلفة، بل لا بد أن يرشدهم، و لا توجد في الكون صورة للإرشاد إلا النبوة، وبذلك تثبت النبوة، والملائكة و الكتب أيضا، وأما العلم بنبوة رجل معين فتعلم بالمعجزات، وبالعلم بطهارة سيرته وحرصه على العمل بما جاء به سرا و علنا، وباستقراء ما جاء به، وظهور أن عامته مطابق للحق و العدل و الحكمة، و لا يخدش في ذلك الجهل بوجه الحكمة في بعض ذلك، فإن ذلك ضروري ؛ لأن الدين من شرع الحكيم العليم الذي أحاط بكل شيء علما، و عقل المخلوق و علمه محدود، وأنت ترى عقول الناس مختلفة، فكم من أمر يجزم كثير من الناس بأنه خلاف الحكمة، فيجيء من هو أعقل أو أعلم منهم فيبين لهم وجه الحكمة، و قد قال الله - عز وجل - ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾.
وكثير من الأحكام يحصل المقصود بالعمل بها، ولا يحتاج إلى العلم بوجه حكمتها، وقد يكون العلم بوجه الحكمة يفتقر إلى صرف م
دة طويلة من العمر.
(١/١٢)


الصفحة التالية
Icon