و مثل ذلك مثل الطبيب و المريض ؛ فإن الطبيب يعلم من طبائع الأمراض و الأدوية ما لا يعلمه المريض، و من ذلك ما لا يدرك إلا بعد صرف مدة طويلة في التعلم، وقد يكون المريض ضعيف الفهم لا يتهيأ له معرفة ذلك ولو أتعب نفسه فيه، ففي مثل هذا ليس على الطبيب إلا إعطاء المريض الدواء المناسب، وليس عليه أن يشرح له حقيقة المرض، وأسبابه، وسبب تأثير الدواء ؛ لأن هذا يطول و يتعب في غير فائدة، و بحسب المريض أن يعلم أن الذي أعطاه الدواء طبيب ناصح، و العلم بذلك لا يحتاج إلى استقراء مستغرق.
و لو قال المريض : لا آخذ الدواء حتى تشرح لي حقيقة المرض، و أسبابه، وحقيقة الدواء، وتأثيره، لعد أحمق الناس ! و لطرده الطبيب قائلا له : أنا أعالجك رحمة و شفقة، وقد قام عندك من الدلائل ما يكفي في علمك أني طبيب ناصح، و تعلم أن معرفة ما تريد أن أعرفك به يفتقر إلى علوم ليست عندك، ولعل فهمك لا يبلغها، و اشتغالي بذلك إضاعة لوقتي ووقتك فيما لا حاجة إليه، وصرف الوقت في مداواة العقل أولى بي من التحامق مع الحمقى !!
هذا كله مع أن الطبيب بشر يجوز عليه الغش و الخطأ.
و بالجملة ؛ فالعلم بنبوة النبي له طرق بعضها أكمل من بعض، ولست الآن في صدد الإستيفاء.
و المقصود: أن الإيمان بما ذكر هو الذي يتوقف عليه معرفة الأمر و النهي، وقد بقي معنى مهم، وهو الإيمان بالوحدانية، فالوحدانية في الربوبية قد تكلم فيها أهل الكلام، ولا حاجة للإطالة فيها، وأما وحدانية الألوهية، فقد حققتها في رسالة العبادة، و الحمد لله.
واعلم أن هذه الأمور الضرورية في الإيمان معلومة في الدين بالضرورة، فمن أراد أن يتأول بعض نصوصها تأويلا ينافي ما علم بالضرورة فلا نزاع في كفره.
المبحث الأول
في بيان جناية التأويل الفاسد على أهله
(١/١٣)