و اعلم أنه يتصل بالأمور الضرورية للإيمان تفصيلات لا يتوقف الإيمان على العلم بها، مثل : كيفية الحياة، والعلم، وغير ذلك، وهناك أمور أخرى لا يتوقف الإيمان على العلم بها أصلا، و إنما وجب الإيمان بها بخبر الصادق المصدوق، و على هذين تدور رحى التأويل.
فمن قائل: هي حياة كحياتي، ويد كيدي، ووجه كوجهي.... إلى غير ذلك.
و من قائل : هذا يستلزم حدوث الرب، ونقصه تعالى عن ذلك، فلا بد من تأويله!
ومن قائل : حياة تليق به - عز وجل -، ويد تليق به سبحانه، ولا أؤول.
ويحتج الأول بأن الله - عز وجل - قد وصف نفسه بذلك، ووصفه به رسله، وقد قام البرهان على وجوب حمل النصوص على ظواهرها، إذ لو كان المراد بها غير ظاهرها لكانت كذبا ! ـ على ما حققناه في الفصل الثاني ـ وذلك محال.
و أجاب الثاني عن هذا بأجوبة :
أحدها : أن اللفظ إنما يبقى على ظاهره ما لم تكن هناك قرينة تصرفه إلى معنى آخر، و تحقيق هذا : أن اللفظ قد يكون له ظاهر في نفسه، و لكنه اقترن به ما صار الظاهر معنى آخر، فقولك :"إن زيدا رجع اليوم" ظاهره أنه رجع هو نفسه.
و قولك :"إن أمس رجع اليوم " لا يظهر منه ذلك، بل يظهر منه أن اليوم مشابه لأمس في كونه صحوا أو غيما أو نحو ذلك، وهذا حق في نفسه، ولكن لما سئل المؤولون عن القرينة ذكروا أمورا، منها العقل، فقيل: إن العقل لا يصح أن يكون قرينة إلا إذا كان بديهيا حاصلا للمخاطبين، وفي المعني العقلية التي تجعلونها هي القرينة [مع] اعترافكم أنه لا يحصل للإنسان إلا بعد ممارسته المعقولات من المنطق و الفلسفة و غير ذلك. وهذه النصوص الدالة على أن الله ه- عز وجل - في جهة العلو تؤولونها لمخالفتها العقل زعمتم !
و أنتم تعترفون أن الإيمان بموجود ليس في جهة لا يتهيأ للإنسان حتى يمارس المعقولات، ويوغل فيها، فعند ذلك تأنس نفسه بالتصديق بذلك ! ذكر هذا الغزالي في كتبه، و غيره.
(١/١٤)