وإذا كان الحال هكذا، لأن القرينة التي يعلم المتكلم أن المخاطب لا يدركها لا تخرج الكلام عن الكذب، كما تقدم.
قالوا: هناك قرينة أخرى، وهي قول الله - عز وجل - :﴿ ليس كمثله شيء ﴾ وقوله - عز وجل - :﴿ ولم يكن له كفوا أحد ﴾
قيل لهم : هاتان الآيتان غير ظاهرتين في المعنى الذي تريدون.
أما الأول : فلو قلت لرجل : عندي شيء ليس كمثله شيء، لما فهم أنه ليس في الكون ما يشبهه من بعض الوجوه شيء، وقريب من هذا يقال في الآية الثانية، فكيف يجوز أن يكتفى في هذا المطلب العظيم بقرينة ظاهرها أنها ليست قرينة ؟!
و فوق هذا : فقد تقرر في الأصول أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والحاجة في النصوص الإعتقادية هي وقت الخطاب، فلو كان المراد جعل هاتين الآيتين قرينة لوجب قرنهما، أو إحداهما، أو ما يقوم مقامهما بكل آية أو حديث يتعلق بالصفات، و إلا لزم الكذب.
فإن قالوا : إذا سمع الإنسان القرينة الواضحة أولا أغنى ذلك عن إعادتها مع كل آية من آيات الصفات.
قيل لهم : بعد فرض تسليم الوضوح لم يكن العمل على هذا، أي : أن لا يتلو النبي - ﷺ - شيئا من آيات الصفات على أحد حتى يتلو عليه الآيتين المذكورتين أو أحداهما، بل قد نزل قبلهما كثير من القرآن، و قد كان الرجل يسلم ثم يصلي مع النبي- ﷺ - فيتلو في صلاته من القرآن ما شاء الله، ولا يبدأ بإحدى الآيتين، و لعل كثيرا من الأعراب الذين أسلموا لم يسمعوا الآيتين و لا إحداهما، و لم يقل أحد من العلماء : إنه يجب على قارئ القرآن أن لا يقرأه بمحضر من العامة إلا بعد أن يذكر لهم الآيتين أو إحداهما، أو ما يقوم مقام ذلك.
(١/١٥)