فإن قالوا : فإنه يلزم مثل هذا في آيات التحليل العامة التي دلت آيات أخر على تخصيصها، و ليست في سياقها، فيمكن أن يكون بعض الأعراب سمع الآية العامة فذهب يستحل كل ما تناولت، مع أن بعضه محرم بآية لم يسمعها، و مثل هذا يقال في الأحاديث، و هكذا ما يشبه العموم من كل دليل ظاهره تحليل شيء، و قد بينه دليل آخر.
فالجواب أن الخطأ في التحليل و التحريم سهل، فلا يكون المخطئ كافرا و لا فاسقا ؛ بل هو معذور مأجور، كما سيأتي إيضاحه. و ليس الخطأ في الكفر كذلك، بل قال جم غفير : إن كل مجتهد في الأحكام مصيب، وله غفور.
و قد أوضحنا ذلك في موضع آخر.
حاصله : أن كثيرا من القوانين لا يكون مطابقا للحكمة في كل فرد من الأفراد، وإنما روعي مطابقته في الأعم الأغلب، ومثلناه بحد الزنا، فرب شيخ غني ضعيف الشهوة قادر على التزوج فتركه، واحتال لاجتماعٍ بامرأة قبيحة يستطيع التزوج بها و لا يعشقها، فزنى بها، ولما كان غير محصن فحده الجلد، وآخر شاب فقير شديد الشهوة لا يقدر على التزوج صادفته امرأة جميلة يعشقها، و لا يستطيع زواجها، فلم يتمالك نفسه حتى وقع عليها، و كان قد تزوج امرأة، و بات معها ليلة واحدة ثم ماتت، ولما كان محصنا فحده الرجم، فأنت ترى الثاني أحق من الأول بالتخفيف، ولكن الشارع لم يخفف عنه.
و إنما كان ذلك لأن الجرأة على المعصية أمر يخفى و لا ينضبط فأناط الشرع الأمر بصفة واضحة منضبطة، و هي الإحصان، و عرفه ؛ لأن الغالب في الزاني المحصن أن يكون أرغب عن الزنا من غير المحصن، فإذا زنى مع ذلك كانت جرأته أشد من غير المحصن.
و لكن الحكم العدل تبارك و تعالى يجبر ما يستلزمه القانون العام من خلل في بعض الجزئيات بقدره الذي لا يعجزه علم الحقيقة، و لا تقدير ما يوافق الحكمة.
(١/١٦)