وأنت ترى أن هؤلاء أدنى من الكافرين إلى العقل في بادئ الرأي، ولكنهم أخبث منهم، فإنهم يقولون : لا ريب أن آيات الصفات و أحاديثها ظاهرة في الباطل، ولم تكن هناك قرينة كافية لصرفها عن ذلك، و عامة الصحابة و التابعين و غالب من بعدهم فهموا منها المعنى الباطل، وهي نفسها سيقت سياقا يفهم منه المعنى الباطل، و ذلك كذب لا محالة، و لكن الكذب لإصلاح الناس حسن !!
فجوز هؤلاء ـ بل نسبوا ـ الكذب إلى الله وكتابه و رسوله ﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾.
ثم يقال لهم : لو سلم أن الكذب قد يكون حسنا، فإنما ذلك من الإنسان العاجز المحتاج، ولو لم يستحل أن يقع من الله - عز وجل - ورسوله شيء من هذا الكذب فقد كان يجب أن لا يكون إلا عند الحاجة، و لا حاجة إلى تلك الآيات و الأحاديث، فكان يكفي أن يثبت لله - عز وجل - ما لا بد منه، ويعرض عما عدا ذلك مما يخطئ الناس فيه من الإعتقاد، فلا يرده عليهم.
فأما أن يصرح بما يوافق اعتقادهم الخاطئ، و يؤكده، و يكرره في مواضع لا تحصى، فهذا ما لا يتوهم جوازه ؛ لأن الإصلاح المقصود لا يتوقف عليه.
و قد حكم الله - عز وجل - بكفر من نسب إليه الولد، و قال في ربه بألوهية ابنه ! و غير ذلك، قبل بعثة محمد - ﷺ - و بعدها.
وإذا تدبرت ما قدمناه في تشديد الله و رسوله في الكذب ازددت بصيرة في هذا إن شاء الله تعالى.
(١/١٨)


الصفحة التالية
Icon