ألا ترى لو أن امرأة سافرت برضيعها، فنزلت في بيت من مدينة، ثم تركت طفلها و خرجت، ولما أرادت الرجوع إلى البيت لإرضاع طفلها لم تهتد إلى الطريق، فسألت شخصا – وذكرت له اسم المحلة – فأرشدها إلى الطريق فرجعت إلى طفلها، فوجدته يكاد يموت، وعلمت أنها لو تأخرت ساعة مات، فأرضعته. ثم تدبرت نعمة الكلام، أليست تعلم أنها لو كانت بكماء لمات ابنها ؟!
... فافرض أن الذي سألته كذب عليها، فأراها طريقا تؤدي إلى محلة أخرى فذهبت منها، فمشت ساعة أو أكثر، ثم تبين لها الأمر فسألت آخر فأرشدها، فلم تبلغ البيت إلا وقد مات طفلها، أليست تتمنى أن الذي كذب عليها لم يخلق، أو أنه كان أصم لا يسمع سؤالها، أو نحو ذلك ؟ بلى و كل إنسان يتمنى معها ذلك.
... ثم افرض أن الذي أخبرها أولا ورّى خبره في خبرة، كأن قال لها: هذا القطار يذهب إلى تلك المحلة، و أومأ إلى قطار ذاهب إلى جهة أخرى، و عنى أنه عند رجوعه يذهب إلى تلك المحلة، ألا تكون النتيجة واحدة و المفسدة واحدة ؟ و سواء أورى أم لم يورّ؟.
تشديد الشارع في الكذب
أما الكذب على الله - عز وجل -، بأن تخبر عن الله ما لا علم لك به، ومنه الكذب على رسوله في أمور الدين، فقد نص القرآن على أنه من أشد الكفر، و قد أوضحنا هذا في رسالة "العبادة"، بما لا مزيد عليه.
... وأما الكذب في غير ذلك، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - ﷺ - "آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ".
... زاد مسلم – بعد قوله :"ثلاث" – " وإن صام و صلى و زعم أنه مسلم ".
... و فيهما : عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - ﷺ - :" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ".
(١/٢)
...