و روي من حديث أبي أمامة، و سعد بن أبي وقاص، عن النبي - ﷺ - قال :" يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة و الكذب".
... وإذا تدبرت وجدت الأمور المذكورة كلها تدور على الكذب، فمن كان إذا وعد أخلف فإنه يكذب في وعده، فيقول : سأفعل و هو يريد أن لا يفعل ! و الخائن موطن نفسه على الكذب، يقال له : عندك كذا أو فعلت كذا ؟ فيقول : لا.
... ومن كان إذا عاهد غدر فهو كالوعد، بل لو كانت نيته عند المعاهدة أن يفي ثم غدر لكان كاذبا، لأن حقيقة المعاهدة أنه سيفي حتما، بخلاف الوعد، فإن العادة كالقاضية بأن مراده أنه سيفعل إذا لم يعرض له ما يغير رأيه.
... وأما الفجور في الخصومة فمعناه : أنه يفتري على خصمه و يبهته بما ليس فيه، وذلك هو الكذب
... و حسبك أن الإنسان المعروف بالكذب قد سلخ نفسه من الإنسانية فإن من يعرفه لم يعد يثق بخبره، فلا يستفيد الناس منه شيئا ومن لم يعرفه يقع بظنه صدقه في المفاسد و المضار، فأنت ترى أن موت هذا الرجل خير للناس من حياته وهبه يتحرى من الكذب ما لا يضر فإنه لا يستطيع ذلك، ولو استطاعه لكان إضراره بنفسه إذ أفقدها ثقة الناس به، على أن الكذبة الواحدة كافية لتزلزل ثقة الناس به.
الترخيص في بعض ما يسمى كذبا
في الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة، عن النبي - ﷺ - أنه قال: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس و يقول خيرا أو ينمي خيرا ".
قال الحافظ في الفتح : قال العلماء : المراد هنا أنه يخبر بما علمه من الخير و يسكت عما علمه من الشر، و لا يكون ذلك كذبا، و زاد مسلم في رواية :" قال ابن الشهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب، إلا في ثلاث : الحرب، الإصلاح بين الناس، و حديث الرجل امرأته و حديث المرأة زوجها ".
ثم ذكر أن بعض الرواة أدرج هذا الكلام، فجعله من قول أم كلثوم بلفظ "وقالت : و لم أسمعه يرخص... ".
(١/٣)