و لما رأى بعض هؤلاء أن ما تواتر من صفات الأنبياء – مما يدل على نهاية العقل و الفطنة و المعرفة – يأبى ذلك قال : هم أناس عقلاء اخترعوا لأممهم ما يصلحونهم به في دنياهم !!
و رأى غير هؤلاء أن ما تواتر عن الأنبياء مما يبرهن على ملازمتهم للصدق و العبادة و شدة الخوف من الله - عز وجل -، و تقديم طاعته على كل ما عداه، مع ما جاؤا به من الحكمة التي تبهر العقول و تحيرها.
قال قائلهم:
نهاية إقدام العقول عقال...... و أكثر سعي العالمين ضلال

و أرواحنا في وحشة من جسومنا و غاية دنيانا أذى ووبال
و لم نستفد من بحثا طول عمرنا سوى أن جمعنافيه قيل وقالوا
ومنهم من تداركته رحمة الله تبارك و تعالى، فرضي من العناية بالآيات، على أنه لم يرجع سالما من كل عيب، وإلى الله المآب، وعليه الحساب.
و أما من قال : حياة تليق به، و يد تليق به تعالى، و نحو ذلك، ولا تؤول، فهم فرق :
الفرقة الأولى : من يسلم أن ظواهر آيات الصفات و أحاديثها تقتضي المحال، وأن التأويل سائغ و لكنه خطر. و قال قائلهم : مذهب السلف أسلم و مذهب الخلف أعلم!.
الفرقة الثانية : كالأولى، إلا أنها تقول لا يجوز التأويل أصلا.
الفرقة الثالثة : من يقول : كل ما أثبته الله - عز وجل - لنفسه، و أثبته له رسوله عليه الصلاة و السلام فهو حق و صدق على ظاهره.
أما الفرقتان الأوليان فيلتحقان بالمؤولين، وقد تقدم ما لهم و عليهم
و أما الفرقة الثالثة فإنها نسبت إلى موافقة من قال : حياة كحياتي، و يد كيدي و هي أبعد الناس عن ذلك، و هاك الإيضاح :
غالب الصفات يختلف تصورها تبعا لاختلاف تصور الموصوف بها، فيقال للصبي الغر و الأعرابي الجلف : يد إنسان ؛ فيتصور شيئا، ثم يقال يد فرس ؛ فيتصور شيئا آخر، ثم يقال له : يد طائر؛فيتصور شيئا ثالثا، وهكذا.
(١/٢٠)


الصفحة التالية
Icon