فإذا قيل له : يد الله، فقد يتخيل شيئا ما، فإذا رجع إلى عقله علم أن ذلك التخيل خرص و تخمين، ثم يقول : ما رأيت الله - عز وجل -، و لا رأيت ما يماثله فكيف يتهيأ لي تصور يده ؟!
وهذه حقيقة متفق عليها بين العقلاء، و هي أن الإنسان لا يدرك إلا ما أحس به، أو أحس بفرد أو أفراد مماثلة له، و لا يدرك ما أحس به أو أحس بما يماثله إلا ما تناوله الإحساس، و لا يدرك مما أحس بما يماثله إلا ما يعلم أنه قدر مشترك بينهما ؛ فلسنا ندرك من صفات الله - عز وجل - إلا ما يتصف المخلوق بما يشبهه في الجملة، فاستدللنا بآثاره على وجوده ؛ لأننا نعرف الوجود في الجملة بوجود الخلق الذين نحس بهم، و نعلم أن الأثر يدل على وجود مؤثر، و هكذا بقية الصفات التي تقدم ذكرها، مع العلم بأن صفات الرب - عز وجل - واجبة كاملة مبرأة، و أن صفات المخلوق فانية ناقصة معيبة، و لكن ذلك يمنع وجود اشتراك في الجملة يتهيأ به الإدراك، على أننا إنما ندرك صفات الله - عز وجل - على وجه إجمالي.
فأما اليد مثلا فإننا لا نجد ذاتا تشبه ذات الرب - عز وجل - في الصورة – تفصيلا و لا إجمالا – حتى ندرك يده تعالى بالقياس على يد تلك الذات التي نعرفها.
هذا في الإثبات ؛ و أما في النفي فلم ندرك ذاتا تشبه ذاته - عز وجل - و ليس لها يد حتى ندرك بالقياس عليها أنه ليس له سبحانه يد، غاية الأمر أننا ندرك أنه سبحانه منزه عن النقص، و لكننا لا ندرك أنه لو كان له يد تليق به لكان ذلك نقصا، و من زعم أنه يدرك هذا فإنه تخيل يدا كيد المخلوق، فلذلك جزم بأنها نقص.
(١/٢١)


الصفحة التالية
Icon