و الإنسان إذا حاول أن يتصور شيئا ؛ إن كان قد أدركه بواسطة الحواس فذاك، و إلا فإن كان قد أدرك ما يشابهه فإنه يتصوره بتلك الصورة، و لكن العقل إذا علم أنها لا تشابهه في كل شيء جرد الصورة المتخيلة من بعض الأوصاف، و إذا كانت الصورة مشابهه لما يحاول تصوره كغيره قاس القياس بتصور صورة على قدر المشترك بين تلك الصورة التي أدركها مجردة عن الحواس التي تختلف، و ربما ضم إليها صفة، أو نقص منها صفة إذا قام لديه ما يوجب ذلك.
فإذا سمعت برجل انكليزي لم تره، و لا رأيت صورته، و لا وصف لك، و كلفت ذهنك أن يتصوره، و كنت رأيت جماعة من الإنكليز ؛ فإن ذهنك يتخيل صورة على قدر المشترك بين الذين رأيتم حتى يتخيل القياس.
و لو أردت تصور رجل حبشي لا تختلف الصورة التي تخيلتها، فإذا وصف لك الرجل أنه أعور، أو أعرج، أو طويل، أو قصير، أضفت هذه الصفة إلى تلك الصورة، و لكن بحسب القدر المشترك بين العور والعرج، و الطول و القصر الذين قد أدركتهم، على أنك لو كلفت نفسك تصوره كبيرا جدا كالجبل، أو صغيرا جدا كالذرة ؛ لأمكنك ذلك.
و إذا تدبرت وجدت الذهن إنما يستمد التصور من القياس على الصور المخزونة في الحفظ، و لكنه يركب و يقسم، و بهذا يمكنه أن يتصور شق رجل، و يتصور رجلا له وجه فرس...... و هكذا،
فإذا كلفته أن يتصور ما لم يحس به، و لا بما يشبهه ؛ فإنه يفرض عليك صورا يستمدها من خزانته، و قد يركب و يقسم، ويزيد و ينقص، و كلما عرض عليك صورة، فقال العقل : ليس هذا أريد، عاد فاستمد من الخزانة صورة أخرى
(١/٢٢)