فإذا كلف الذهن تصور يد الله - عز وجل - فأول ما يفرض يد إنسان ؛ لأنها أقرب الأيدي حضورا بالذهن لكثرة تكرر إحساسه بها، فإذا لم تقبلها أخذ يزيد في تلك الصورة و ينقص، و يستمد الزيادة و النقص من الأجرام التي قد أدركها، فإنه يجعلها نورا على صفة ما قد أدكه من نور الشمس والقمر و غيرها، و يعظمها – لإدراكه صفة العظمة – حتى يجعلها كالجبل أو أعظم منه، و غي ذ١لك.
و العقل يحكم كل مرة أن تلك الصورة فيها نقص و عيب، وأن الله - عز وجل - مبرأ من ذلك، فإذا يئس من وجدان صورة تليق برب العزة فهو بين أمرين :
إما أن يعترف بعجزه، و قصوره، و أن الموجودات لا تنحصر فيما يمكنه تصوره و تخيله، فهذا يجوز أن يكون لله - عز وجل - يد تليق به، فإذا علم أن الصادق المصدوق قد أخبر بذلك آمن به.
و إما أن يغلب عليه الغرور و الدعوى، و يزعم أنه ما من موجود إلا و يمكنه تصوره، فهذا ينكر أن تكون لله - عز وجل - يد، و يزعم أن من أثبت لله - عز وجل - يدا يلزمه أن يثبت له يدا من تلك الأيدي التي تخيل صورها العقل.
فلو أن رجلا خلق أكمه و كبر، وعلم الكلام ما عدا الألوان، و لم يخبر بأن الناس يبصرون، ثم قال له رجل بصير – ذات يوم - : هذا شيء أبيض، فإنه يقول : ما معنى أبيض، أكبي ؟ فيقال : لا، فيقول : فصغير ؟ فيقال : لا، فيقول: فأملس، فخشن، فجامد، فمائع ؟ إلى غير ذلك من المعاني التي قد عرفها و أحس بها.
فإذا قيل له – في كل ذلك - : لا، لا ! قال : فهذا عدم ! و إن كان قد أخبر بالألوان، و تواتر عنده أن الناس يبصرون، و أن للأشياء ألوانا فإنه يصدقهم، و لكنه لا يستطيع تصور ذلك.
فهذا مثل الإنسان إذا أخبر بصفات الرب - عز وجل -، و كأنه لهذا المعنى زعم بعض المتكلمين أ، رؤية المؤمنين لربهم - عز وجل - في الآخرة إنما تكون بحاسة سادسة يخلقها لهم !
و لبيان خطئه أضرب مثلا ثانيا :
(١/٢٣)