افرض أنه لا يوجد في الدنيا من الألوان إلا السواد و البياض، ثم أخبر إنسان بأن هناك شيئا يرى، أليس يقول : أسود ؟ فإذا قيل : لا ! فيقول : أبيض ؟ فيقال : لا فيقول فليس في الوجود شيء يرى إلا أبيض أو أسود !
فهذا مثل القوم ؛ فإنهم لما لم يعرفوا في المرئيات إلا هذه المحسوسات قالوا : لو أمكن رؤية الله - عز وجل - لكان من جنس هذه المحسوسات !
و المقصود من المثال التفهيم، و إلا فلا يخفى أن الحمرة من جنس الألوان، و ليس الله - عز وجل - من جنس الخلق، و لو فرض أن إنسانا لم ير..... (عبارة غير واضحة) تنطبع فيه صورته، ثم أخبر بأن الإنسان يمكنه أن يدرك بمعونة حاسة بصره لون حدقته، فيعلم أنها سوداء أو زرقاء أو غير ذلك بدون أ، يخرج إحدى عينيه من موضعها، و لا يتغير شكله، أليس يبادر فيقول : هذا محال !
و المقصود من هذه الأمثلة تقريب الذي ذكرناه : من أن الإنسان يجحد ما لا يحس به، و لا بما يشبهه.
و لو قلت لبدوي – لم يسمع بالآلات المخترعة - : إنه يمكننا أن نسمع كلام أهل أمريكا و نحن بحضر موت بدون معجزة، و لا سحر و لا كرامة، لقال : هذا كذب ! و لو لم يكن قد سمع بالمعجزات و الكرامات والسحر ما احتجت أن تقول له : بدون كذا و كذا.
إذا علمت هذا ؛ فإنا نقول :
كان الصحابة – و من بعدهم ممن يتحكك بالبدع – يعلمون حق العلم أنه لا سبيل للعقل إلى تصور يد الله - عز وجل - و لا سبيل للعقل أن يدرك أنه سبحانه ليس له يد تليق به، فلما أخبرهم الله و رسوله بأن لله يدا آمنوا وصدقوا، فليس في تلك النصوص بحمد الله - عز وجل - لا كذب و لا إضلال، وليس في عقيدة السلف جهل و لا ضلال، فإن الجهل بما ليس في قدرة الإنسان العلم به لا يعد نقصا، و إنما الجاهل من يجهل ذلك و يجهل أنه جاهل، و يخيب و يطمع فيما ليس فيه مطمع، و يؤول به الأمر إلى ما سمعت، و تسمع.
و اعلم أن سبب ضلال القوم أمور :
(١/٢٤)


الصفحة التالية
Icon