الأول : قلة حظهم من معرفة الكتاب و السنة.
الثاني : تقديسهم للفلاسفة فوق تقديس الأنبياء بدرجات.
الثالث : ما في فطرة الإنسان من دعوى أن عقله يستطيع إدراك كل شيء، فطره على ذلك لئلا يكسل و يتوانى عن المعارف و العلوم، كما فطره على طول الأمل ليبقى في عمارة الدنيا، و عدل ذلك بالعقل ليكبحه عن تجاوز الحد في ذينك الأمرين، و هؤلاء القوم نشأوا على التطلع و التعمق، فاعتضدت الفطرة بالعادة، فأغفلهم ذلك عما يقررونه من أن الإدراك لا يكون إلا بإحساس أو قياس كما سلف، فكلفوا عقولهم أن تدرك ما ليس من شأنها إدراكه، فصارت تتقيهم بالتخيلات، و قد أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال :" إن للعقل حدا ينتهي إليه، كما أن للبصر حدا ينتهي إليه، كما أن للبصر حدا ينتهي إليه".
أقول : وقد جربنا أن من كلف بصره إدراك ما لا يستطيع إدراكه يخيل إليه أنه يدرك ذلك، فكم مرة تراءى الناس الهلال فتراءيته معهم، فإذا حدقت و أمعنت في النظر يخيل إلي أني قد رأيته، و لكنها خطفة لا تثبت، ثم أيأس من ذلك الموضع فأنظر إلى موضع آخر، فيخيل إلي مثل ذلك ؛ فعلمت أن تلك الخطفة هي صورة خيالية هي صورة خيالية لما أتخيله تبرز إلى العيان ؛ لقوة التخيل و كد البصر.
...... فكثيرا ما يعرض للعقل مثل هذا إذا كلف إدراك ما لا يدرك، و الفرق أن خطأ البصر ينتبه له العقل، و لا يكاد ينتبه لخطأ نفسه.
لو بغير الماء حلقي شرق | كنت كالغصان بالماء اعتصار |
(١/٢٥)