و مما يتقى به خطأ العقل – إذا زعم أن إدراكه قاطع – أن يفرض صاحبه أنه اجتمع بمن هو أكمل منه و أعقل، فأخبره برأيه في تلك القضية، فقال له الأكمل : أخطأت ! فإن أحس في نفسه أثرا لقول الأكمل :"أخطأت" فليعلم أن إدراكه ذلك ليس بقاطع.
و قد بحث معي مسلم في مسألة معروفة، فزعم أن العقل القاطع يدل على نفيها، فقلت له : لو فرضنا أن النبي - ﷺ - لا يزال حيا، و أننا سألناه عن هذه المسألة فقال : هي حق ثابت، فهل تصدقه ؟
فقال : و كيف لا أصدقه ؟
فقلت له : فأين العقل القاطع ؟
فإن قلت : إنهم يجيبون عن مثل هذا بأنه يستحيل أن يقوله النبي- ﷺ -.
فقلت : فإنهم يردون النصوص الصريحة من القرآن بنحو ذلك.
فإن قلت : و لكنهم يتأولونها.
قلت : قد تقدم أن حملها على التأويل معناه نسبة الكذب إلى الله ورسوله.
و بعد ؛ فالمكابرة لا دواء لها، و المقصود إرشاد من في قلبه خير إلى أن يفرض ما تقدم، ثم ينظر فلعله يتبين له خطؤه في توهم القطع.
فإن قال قائل : إنما استقامت لك الحجة لأنك مثلت بالحياة و اليد، و من الصفات الأخرى ما لا يظهر استقامة تلك الحجة فيه، و من ذلك كون الله - عز وجل - على عرشه فوق السموات، و كونه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، و يجيء يوم القيامة، و غير ذلك.
أقول : الحجة مثبتة في هذه كلها ؛ لأن الفلاسفة مقلديهم أثاروا شبها ليست مما فطرت عليه العقول، و لا كان يعرفها العرب الذين تلقوا الشريعة غضة، و قد كنت أحببت أن أوضح ذلك مفصلا، ثم ضربت عن ذلك لمعنى سأذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، فلأكتف بجواب إجمالي :
(١/٢٧)