قد علمت أن الإخبار بكلام له معنى ظاهر، و ليس عند المخاطب قرينة توجب صرفه عن ظاهره يكون كذبا، و لا تغني تورية المتكلم في نفسه، أو ملاحظته قرينة يعلم أن المتكلم لا يشعر بها، كأن يقدم رجل من اليمن إلى الحجاز، فيسأله رجل عن أبيه، فيقول : إنه قد مات، و يريد في نفسه أنه نائم، و يزعم أن وجود الأب في اليمن حيا يرزق قرينة !
و علمت أن الكذب محال أن يقع من الله - عز وجل - و رسوله، و الله - عز وجل - إنما أنزل الكتب و أرسل الرسل لهداية الناس إلى الصراط المستقيم لا لإضلالهم.
فإذا أحطت بهذا ؛ فكل نص في كتاب الله - عز وجل - أو في السنة المقطوع بها – يخبر بصفة من صفات الله - عز وجل -، و له معنى ظاهر يعلم أن العرب الذين دعاهم النبي - ﷺ - لا يفهمون غيره – فلا مفر للمسلم من الإيمان به.
ثم اعلم، من الصفات ما لا شبهة لمن أنكره أصلا، كما قد قدمنا في الحياة و اليد مفصلا.
و منها ما لم تكن فيه شبهة و لكن نشأت الشبهة فيه لمن اطلع على كلام الفلاسفة، و هذا لا بد للمسلم من الإيمان به و تكذيب الفلاسفة، علما بأن العقل الإنساني قاصر، و أن إدراكه يتفاوت، و أنه كثيرا ما يتوهم أنه قد أدرك إدراكا قطعيا و هو مخطئ.
و من تأمل اختلاف الفلاسفة و المتكلمين من كل أمة، و تخطئة آخرهم لأولهم – مع زعم كل منهم أن عقله أدرك ما قاله إدراكا خاطئا – تبين له هذا، و لو اطلعت على آراء فلاسفة العصر لرأيت من ذلك كثيرا جدا.
و منها ما تعرض الشبهة فيه لكل أحد، وهذا لا بد للمسلم من الإيمان به، و صرف نفسه عن استرسالها في الفكر.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله و لينته".
(١/٢٨)