دلت الآية أن المتشابه من شأنه أن يتبعه الزائغون ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
ومن المعقول أن الآية التي تتشابه معانيها يتبعها الزائغ ابتغاء الفتنة ؛ ليحملها على المعنى الذي يوافق هواه، ولكن قوله تعالى :﴿ و ابتغاء تأويله ﴾ يدل أن ابتغاء تأويل المتشابه زيغ.
فإن قيل : إنما يكون زيغا في حق الزائغين ؛ لأنهم يبتغون الفتنة. قلت : لا أرى هذا شيئا، إذ لو كان كذلك لكان المدار على ابتغاء الفتنة، و لما ظهر معنى لزيادة :﴿ و ابتغاء تأويله ﴾، بل و لا تخصيص المتشابه ؛ لأن مبتغي الفتنة يبتغيها في كل آية من القرآن، و إن كان ابتغاؤه إياها فيما تشابهت معانيه أكثر.
فإن قيل : فإنما يكون زيغا في حق الزائغين ؛ لأنهم يبتغون الفتنة.
قلت : لا أراه كذلك ؛ لأن من ليس براسخ في العلم قد يخطئ في فهم المحكم أيضا.
و أوضح من هذا كله قوله تعالى :﴿ و ما يعلم تأويله إلا الله ﴾، فقصر علم تأويل المتشابه على الله - عز وجل -.
فإن قلت : فقد قال :﴿ و الراسخون في العلم ﴾ ؟
قلت : ليس هذا عطفا البتة، وإنما هو معادل قوله :﴿ فأما الذين في قلوبهم زيغ ﴾،
فكأنه قال : و أما الراسخون في العلم...
فالآية كقولك : أما زيد ففي المسجد و عمرو ذهب إلى السوق، اختار هذا المعنى ابن هشام " في المغني، و هو المختار ؛ لأن "أما" للتفصيل، و ذكر القسمين أو الأقسام بعدها هو الأصل، و الحذف خلاف الأصل.
(١/٣١)
فلما كان قوله :﴿ و الراسخون ﴾ يحتمل أنه القسم الثاني، ويحتمل خلافه، فحمله على أنه القسم الثاني هو الظاهر حتما، و يؤيد ذلك أن القائلين بالعطف قالوا : إن قوله :﴿ يقولون ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي : هم يقولون، و لا يخفى أن الأمر إذا دار بين الإضمار و عدمه فالأصل عدمه.


الصفحة التالية
Icon