و منهم من جوز أن يكون حالا، و هو باطل ؛ لأن الحال قيد في عامله، فيصير المعنى : و ما يعلم تأويله في حال قول الراسخين كذا و كذا إلا الله و الراسخون قد يعلم تأويله في غير تلك الحال ! و لا وجه لهذا.
و إن قدر أنه حال من ضمير محذوف، و التقدير : يعلمونه حال كونهم يقولون. و هذا تعسف بتكثير الإضمار، و يلزم أن الله و الراسخين لا يعلمون تأويله إلا في تلك الحال، و هناك مصارعات و مقارعات، انظرها في "روح المعاني " إن أحببت.
و أوضح من هذا كله : أنه صح – كما في المستدرك و غيره – عن ابن عباس – وهو المدعو له بتعلم التأويل – كان يقرأ :﴿ و ما يعلم تأويله إلا الله ﴾ و يقول الراسخون...
و حكي مثله عن أبي بن كعب. وقد صح عن النبي - ﷺ - قوله :"أقرؤكم أبي".
و جاء عن ابن مسعود – وهو هو – أنه كان يقرأ :﴿ وإن تأويله إلا عند الله و الراسخون في العلم [يقولون ] ﴾.
فلو كان المعنى على العطف لقال : و الراسخين كما لا يخفى.
وقد رويت عن النبي - ﷺ - و أصحابه آثار كثيرة تصرح بأن المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى وحده. انظرها في الدر المنثور
وسياق الآيات يدل على ذلك، فإن قول الراسخين :﴿ ءامنا به كل من عند ربنا ﴾ ظاهر في عدم علمهم بتأويله، و إنما علموا أنه حق لأنه من عند ربهم، فكأنهم قالوا : أما ما علمنا تأويله فقد علمنا أنه حق بعلمنا بتأويله.
(١/٣٢)
و قولهم بعد ذلك :﴿ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾ ظاهر في أن المتشابه مظنة لأن يكون سبب الزيغ، فتحمله هذه الأشياء على الجهل بحقيقة حاله، و بأن العقل له حد ينتهي إليه، كما أن للبصر حدا ينتهي إليه، و ربما حملته على الخوض و الكلام و النقض و الإلزام فيما نعلم أنه لا سبيل له إليه، و كم من راسخ يرميه الناس بالكفر و الضلال ! و كم من زائغ يتخذونه إماما في الدين !