فالحق أن هذه الآيات أفادت علامة الزائغ، و آية الراسخ :
فعلامة الزائغ اتباع المتشابه و ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله، و إذا خفي علينا ابتغاء الفتنة لم يخف ابتغاء التأويل.
وآية الراسخ الكف عن ذلك و الإكتفاء بقوله :﴿ ءامنا به كل من عند ربنا ﴾.
و في الصحيحين و غيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي - ﷺ - تلا هذه الآيات، ثم قال :" إذا رأيتم الذين يبتغون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم "..........
ولو كانوا قد علموا تأويله لكان بالنظر إليهم كالمحكم، و تعليل إتباع الزائغين للمتشابه بقوله :﴿ ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله ﴾ ظاهر في أن ابتغاء تأويله زيغ، إذ لو كان الزيغ إنما هو في إتباعه ابتغاء الفتنة لما كان لقوله :﴿ و ابتغاء تأويله ﴾ معنى !
فإن قيل : سلمنا أن ابتغاء تأويله زيغ، و لكن لغير الراسخين.
قلت : الرسوخ في العلم أمر خفي، ليس هو كثرة العلم، فكم من رجل كثير العلم ليس براسخ. قال تعالى ﴿ و اتل عليهم نبأ الذي ءاتيناه ءايتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين - ولو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الارض و اتبع هواه ج فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ﴾.
و قال - عز وجل - :﴿ أفرءيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم ﴾
و في الحديث :" إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ".
(١/٣٣)
و قال الحسن البصري :"العلم علمان : فعلم في القلب، فذلك العلم النافع، و علم في اللسان، فذلك حجة الله تعالى على ابن آدم " سنن الدارمي (ج١ ص١٠٧).
و الأحاديث و الآثار في هذه كثيرة.