فأما قوله : إن الشريعة إنما جاءت لتعليم الدين عقائد و أحكاما، و لم تجئ لتعلم العلوم الكونية، فحق. و الحكمة في ذلك أن العلوم الكونية منها ما لا فائدة في علمه فائدة، و لكن علمه لا يتوقف على الوحي، بل يعلم بالبحث و النظر، و قد قضى الله - عز وجل - أن يكون ظهور ذلك في أوقات متراخية، كما وقع نمن اكتشاف الكهرباء والهاتف والمذياع و غير ذلك.
... على أن الناس محتاجون إلى كثرة الحكام، و ليس كل حاكم كاملا في العقل والفهم والنظر حتى يدرك جميع الأحكام بنظره، و اجتماع جماعة من العقلاء لوضع القوانين لا يكفي ؛ لقصر نظرهم، و احتمال ميلهم و تعصبهم ؛ و لأن غالب القوانين تختل الحكمة المقصودة منها في كثر من الجزئيات الداخلة فيها، فأما القوانين الشرعية فإنها تؤمن الغلط والميل، و العصبية فيها يمتثلها المتدينون تدينا، و يقبلونها طيبة أنفسهم منشرحة صدورهم ؛ لأنهم يرون القبول خيرا لهم في دينهم و دنياهم، ويلزمونها غالبا بدون إلزام حاكم، لا فرق في ذلك بين قويهم وضعيفهم، وافية منها على الغالب بحيث يمكن تخلف الحكمة في بعض الجزئيات، فإن الله - عز وجل - يجبره بقدره.
... و المقصود : أن الخلق مفتقرون إلى تلقي الأحكام من طريق الرب - عز وجل - و ليسوا مفتقرين إلى تلقي العلوم الطبيعية و نحوها.
(١/٤٤)
...


الصفحة التالية
Icon