و أبلغ من هذا : أن الكتب الموضوعة للمبتدئين قد يذكر فيها ما ليس بصحيح في نفسه، و لكن سلكه المؤلف لأنه أقرب إلى فهم المبتدئ، فيقول النحوي مثلا : الكلام قد يركب من كلمتين، من اسم و فعل، مثل : قام الرجل، والرجل قام، أو اسمين، مثل زيد قائم، أو القائم زيد، مع أن "قام الرجل" ثلاث كلمات، و الرجل قام أربع كلمات : فعل وحرف و اسمان، و "زيد قائم" ثلاث أسماء، و "القائم زيد" أربعة أسماء.
ومن كان له ممارسة للنحو و الصرف وجد فيها كثيرا من هذا، ومن عالج التعليم يعلم يقينا أنه لا غنى به عن سلوك هذه الطريق في كثير من المسائل.
و كما أن المعلم الناصح يتجنب أن يخرج بالطالب في الدرس عن ذلك العلم، فهكذا النبي - ﷺ - كان يتجنب أن يشغل الناس بما لم يبعث لأجله، بل كثيرا ما يقرهم على ما يعلم أنه خطأ و غلط ؛ لأن ذلك لا يضرهم في دينهم، فإذا دعت المصلحة إلى ذكر ما يتعلق بشيء من الأمور الطبيعية ذكره على وجه لا يجر إلى إيقاع السامعين في الخوض في أحوالها الطبيعية، فيشتغلوا بذلك عن المقصود، و من ضرورة هذا المعنى أن لا يذكر لهم في الأمور الطبيعية خلاف ما يعرفون، أو يذكر لهم مما لا يعرفون شيئا فيه دقة و غرابة، فلا يذكر لهم مثلا : الأرض كروية، أو أنها تدور.
فإن قلت : فهل يجوز أن يخبر عن شيء من الطبيعيات بكلام ظاهره مخالف للحقيقة ؟
هذا هو موضوع السؤال !
قلت : أ ما إذا ثبت أن الظاهر في مثل ذلك لا يعتد به، بل يحتمل أنه مراد، و يحتمل أنه ليس بمراد، فلا مانع من ذلك إذا لم يبق ذلك الظاهر ظاهرا، فتدبر!٠
(١/٤٨)


الصفحة التالية
Icon