و الحاصل : أن النص على الحكم – وقد بقيت مدة إلى حضور وقته – إذا كان لذلك النص ظاهر من جهة اللفظ، ولكنه غير ظاهر من جهة المعنى، بل هو محتمل فقط، فإذا جاء الوقت و لم يبين علم أن ما ظهر من اللفظ هو المراد من جهة المعنى أيضا. فإذا أطلق الشارع نصا في حكم لم يحضر وقته، و للنص ظاهر لفظي، ثم بين عند الحاجة ما يرفع ذلك الظاهر، لم يلزم من إطلاق النص كذب و لا شبه كذب، فتدبر و أمعن النظر !
ثم نقول : معرفة صفات الأمور الطبيعية ليس لها حاجة في البيان عندما يطلع الإنسان على صفة فعل الشيء، فيتبين له حينئذ المعنى المراد من النص، و لا يلزم كذب و لا شبه كذب إذا تبين أن الواقع خلاف الظاهر اللفظي من النص.
فلو قال النبي - ﷺ - لرجل : اذهب إلى فلان فستجده يأكل لحم إنسان، فذهب إليه فلم يجده يأكل لحما، و لكن وجده يغتاب إنسانا، لقال : صدق الله و رسوله، إن اغتياب الإنسان كأكل لحمه.
و لو قال - ﷺ - لرجل : أتحب فلانا ؟ فقال : نعم ! فقال : أما إنك ستقتله، فلما كان بعد وفاة النبي - ﷺ - سقطت من الرجل كلمة كانت سببا لقتل صاحبه، لقال : صدق الله و رسوله، أنا قتلته بكلمتي.
و في هذا نص واقع، وهو قول النبي - ﷺ - لأزواجه – لما سألنه أيتهن أسرع لحوقا به - :"أسرعكن أطولكن يدا".
قالت عائشة :" فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله - ﷺ - نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، و كانت امرأة قصيرة، و لم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي - ﷺ - إنما أراد بطول اليد الصدقة، و كانت زينب امرأة صانعة باليد، و كانت تدبغ و تخرز و تصدق في سبيل الله".
(١/٥٠)


الصفحة التالية
Icon